همس اليراع

الشاعر عباد الوطحي ونخلته الوحيدة في صحرائه الكبرى ١

سيشهد مقر اتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين بعدن مناقشة نقدية واستعراضية لديوان الشاعر عباد الوطحي "نخلة في صحرائي الكبرى،" يوم الثاني من اكتوبر القادم وسيتم توقيع المجموعة من قبل الشاعر، الذي كان قد شرفني بقبول تقديمي المتواضع لها وهنا أنشر تلخيصا لهذا التقديم.
* * *
(نخلَةٌ في صحرائي الكُبرى) هو عنوان يحملُ عدداً من الدلالات القيمِيَّة والجمالِيّة لا تبعدُ بنا كثيرًا عنِ الأرضيّة الحياتيّة للحظة الزمنيّة لصدور المجموعة الشعريّة تاريخيًّا وإنسانيًّا ورُوحًا ومضمونًا .
تأخر الشاعر عُباد صالح علوي الوطحي في إصدارِ مجموعتهِ الشعريّة الأولى, ومن تجربتي الشخصيّة في تجميع ونشر الكتابات تعلمتُ أنْ الإصدار والنشر والتوزيع في اليمن عمومًا مُنذ أزمنة "الاستقرار" الصُّوري كانت عبارَة عن مغامرَة محفوفة بالتحديات ولم ولن تكون قط مصدرًا (للكسب المادي) الذي من المؤكد أنّه ليس دَيدنًا رئيسًا لدى الكثير من المبدعين في هذا البلد الذي يحتفي بالرصاص ومختلف أدوات القتل أكثر مما يحتفي بالإبداع والمبدعين.
تعرفتُ على الشاعِر والتربوي المبدع الأستاذ المهندس عُباد الوطحي مُنذ أكثر من ثلاثين عامًا, حينما كان سكرتيرًا لجمعية الأدباء الشباب فرع أبين, وسكرتيرًا لتحرير مجلة "الواعد" التي كان يصدرها فرع الجمعية, ثم جاء تأسيسُ فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في أبين في العام 1989, وكان لعُباد حُضورٌ بين مؤسسي الفرع والأسماء المتميزة في سماء الشعر في أبين, وكانت مجلة "الكَلمة" التي ظلَّ الفرع يصدرها لعدة سنوات تمثل النافِذَة التي يطِلُّ علينا منها المبدعون والشعراء الأبْينيّون وأحدهم شاعرنا, أثناْ عمله في معهد الأوراس المهني في أبين .
كان ذلك زمنًا حظيَ فيه الأدب والشعر بالدعم والتشجيع من قبل المؤسسات الراعية, لكن الأمر اختلف بعد عام 1990 وعلى الأخص بعد العام 1994, بعد أنْ صار الظفر بمصاريف الأسرة ومتطلباتها الحياتية معجزة لا يحققها إلَّا القليلون, وهو موضوع ليس هذا مجال الخوض فيه .
ويأتي اختيار عُباد للعنوان "نخلَةٌ في صحرائي الكُبرى" لهذه المجموعة الشعرية, كشاعر يتطاول زمن حضورهِ وإبداعهِ الشّعري لأكثر من ثلاثين عاماً, ليعبر عن العديد من الأبعاد الدلالية, فالنخلة التي هي عنوان العطاء والخير والوفرة تجسِّدُ التمسُّك بالجمال والتفاؤل والأمل واختراق عوالم السكون والجفاف والرتابة التي تتجسَّدُ في عوالم "الصحراء" وقد جاء اختيار صِفَة "الكُبرى" للصحراء ليحمل مدلولين : بلاغي وهو يتمثل في ما تعنية "الصحراء الكُبرى" جغرافيًا في شمال القارة السوداء ويأتي الاستدعاء هنا ليقول لنا أن "الصحراء الكُبرى" لا تقتصر على المنطقة المعروفة, وأن لكل منا "صحراءهُ الكُبرى", والثاني جمالي يصور ما يعتمل في العوالم النفسية الداخلية للشاعِر والبيئة التي أتى في أجوائها إصدار المجموعة الشعرية, فالشاعِر أرادَ أنْ يقولَ لقرّائه أننا نعيش في صحراء, والصحراء قاحلَة بكُلِّ ما تعنيه من جفافٍ وندرَة في المواردِ وغبارٍ وعواصِف رمليّة وشحٍ بلْ وندرة في الإنتاج, وعوامل غمر وانقراض لكُلِّ مقومات الحياة, لكن النخلَة تأتي لتثقب سقف هذا العالم الباعِث على الإحباطِ والتشاؤم والعدمية وتعيد الأمل وتبعثُ على التفاؤل باستمرار الحياة ومواصلة العطاء ومقاومة الاندثار الذي تعبر عنه الصحراء, وليس أي صحراء, بل "الصحراء الكُبرى".