همس اليراع

حوار جدة والمرجعيات الثلاث

كان كاتب هذه السطور قد تناول في سلسة منشورات موضوع المرجعيات الثلاث المتعلقة بالأزمة والحرب في اليمن، ومن خلالها جرت محاولة البرهنة على أن هذه المرجعيات لم تعد ذات قيمة بعد التطورات التي جرت خلال الأعوام الخمسة الماضية، ويمكن تلخيص مضمون هذا التناول في ما يلي:
1. إن المبادرة الخليجية قد استنفدت صلاحيتها في العام 2012م عندما تم تسليم السلطة من قبل الرئيس السابق للرئيس الجديد، وشكلت حكومة الوفاق الوطني وجرى الحوار (بشكله الذي أراده شركاء تلك المرحلة) ، وما تبقى من المبادرة قد أسقطه تحالف الانقلابيين ولم يعد من الممكن إالعودة إليه بعد كل ما جرى.
2. إن مخرجات الحوار الوطني قد أسقطها المتحاورون أنفسهم، فتحالف المؤتمر ـ الإصلاح أعلن رفضه لها، وتحالف صالح ـ الحوثي قد انقلب على كل حرف فيها، والجنوبيون لم يكونوا حاضرين إلا من خلال الأسماء التي اختارها الأشقاء الشماليون نيابة عنهم، وعلى الصعيد العملي فإنه حتى الذين يتشدقون بها هم في قرارة أنفسهم يعملون ضدها كلها بما فيها من جوانب قيمة ولا يودون الوصول إلى تنفيذها بما فيها ممن عيوب ومآخذ تخدم مصالحهم، وبالتالي فهي بخيرها وشرها لم تعد صالحة للتعامل لا في ظروف الزمان ولا بممكنات المكان.
3. أما قرارات مجلس الأمن فإن الجنوب والجنوبيين غير معنيين بأي منها إلا بالقرارين 924 و 931 لعام 1994م والتي لا يعتبرها الإخوة في السلطة من المرجعيات الدولية.
وعموما يمكن التأكيد أن كل المرجعيات الثلاث لا تعني الجنوب في شيء لأن الجنوب لم يكن حاضرا فيها فلا المبادرة الخليجية تطرقت للقضية الجنوبية من قريب أو من بعيد، ولا مخرجات الحوار الوطني عبرت عما يتطلع إليه الجنوبيون ولو في حدوده الدنيا، ولا قرارات مجلس الأمن تناولت قضية الجنوب بسبب التعتيم والتجاهل المتعمدين الذين ظلا يهيمنان على التعامل مع المشهد الجنوبي.
إن ربط حوار جدة ومعالجة القضية الجنوبية بالمرجعيات الثلاث إنما يمثل نوعا من خلط الأوراق ووضع العصي في دولاب الحوار وهو عبارة عن وسيلة للهروب من استحقاقات تقتضيها متغيرات ما بعد حرب 2015م وبالذات ما بعد أغسطس 2019، فشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكوماته المتتالية التي تخلت عن كل واجباتها تجاه الجنوب ومواطنيه واكتفت بتحصيل الموارد والعبث بها ونهب حصة الجنوب من المخصصات الإغاثية والإعانات الدولية، وتورطت في قتل المدنيين حتى وهم يشيعون شهداء الإرهاب الحوثي والداعشي، لا يمكن أن تؤتمن حتى على ألف ريال من موارد الجنوب، وقد سمع الجميع عن المليارات الخمسة والثانمائة مليون ريال من إيرادات محافظة عدن التي جرى توفيرها أثناء تولي اللواء عيدروس الزبيدي مهمة محافظ عدن، والتي استولى عليها رئيس الوزراء السابق قبل إقالته بأيام وحولها إلى دولارات ولا يعلم أحد في أي بنك استقرت ولا يتوقع أحد أن الخلف سيكون أفضل من السلف إلا بقلة الثرثرة وكثرة المكائد.
محاولة ابتزاز الأشقاء بحكاية المرجعيات الثلاث التي ساهم المنادون بها في وأدها هي محاولة لزرع ألغام عديدة في طريق تنفيذ مبادرة المملكة الشقيقة في تهدئة الوضع وحشد الطاقات لمواجهة المشروع الانقلابي، بل إنها محاولة للهروب من الانتقال إلى الحرب ضد الانقلاب والانقلابيين خوفا من نهاية الحرب وإغلاق حنفيات الإثراء عن طريق الحروب وهي سياسة معروفة ومتأصلة في سلوك الطبقة السيياسية والعسكرية الممسكة بأدوات الحكم والحرب منذ أربعة عقود ونيف.
ليعلم الأشقاء في التحالف العربي أن شركائهم وضيوفهم "الشرعيين" لا يخلصون لما تستهدفه عاصفة الحزم ولا يؤمنون بشيء منها إلا بأخذ المخصصات وتحويلها إلى حيث لا يعلم أحد وإلا فليسألوهم كيف استطاعوا احتلال عتق وزنجبار اللتان تبعدان عن مأرب مئات الكيلومترات، وعجزوا عن تحرير صرواح وهي لا تبعد عن مأرب إلا بحوالي عشرة كيلو مترات؟
وصدق الشاعر العربي طرفة بن العبد القائل:
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً
ويَـــأْتِيْـكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ