همس اليراع
30 نوفمبر ومسخ معاني الأعياد الوطنية
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
بعد يومين ستهل علينا الذكرى الثانية والخمسون لعيد الاستقلال الوطني وميلاد جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، في الثلاثين من نوفمبر 1967م تلك الملحمة التي صنعها الشعب الجنوبي بعد عقود طويلة من النضالات السلمية والمسلحة، الفردية والجماعية، العفوية والمنظمة توجتها ثورة 14 أوكتوبر المجيدة التي جاءت لتكتسب عنوان الخلاص النهائي من الاستعمار واستعادة الكرامة والحرية والسيادة الوطنية للشعب الجنوبي على أرضه وفوق ترابه وتحت سمائه وعلى طريق مستقبله.
لست بحاجة إلى استعراض الأبعاد السياسية والوطنية والاجتماعية والمعاني الأخلاقية والإنجازات الاقتصادية والخدمية لحدث الاستقلال، فقد سال حبرٌ كثير في هذا لكن سيكون من الإنصاف والعدل الإشارة إلى أن تحقيق الاستقلال الوطني وميلاد الدولة الوطنية الجنوبية الفتية في ذلك التاريخ لم يأت إلا ثمرةً لتضحياتٍ جسام قدمها جيل الثورة وصانعوها وحملة رايتها، وهو ما يوجب علينا هنا أن نترحم على أرواح الشهداء الذين أوقدوا مشعل الثورة بدمائهم الزكية، ومهدوا طريقها بأرواحهم وأبدانهم التي فرشوها رصيفا سارت عليه عربة الثورة حتى حققت انتصارها التاريخي، ونتوجه هنا بالتحية والاحترام والتقدير لمن تبقى على قيد الحياة من ثوار أوكتوبر الأماجد الذين يعيش بعضهم معاناة النكران والجحود والتجاهل وندعو لهم بطول العمر والصحة والسلامة كما ندعو القائمين على السلطات الرسمية إلى الالتفات لهؤلاء وتذكر صنيعهم الوطني الذي بفضله صار هؤلاء يتسابقون على كراسي الحكم، وهم مقيمون أو نازحون.
جرت العادة في هذا البلد المغلوب على أمره أن يحتفل المسؤولون الحكوميون بالمناسبات الوطنية ويتبادلون التهاني فيما بينهم ويحيون بعضهم بعضا بمناسبات لا تربطهم بها أي روابط سوى إنهم سطوا على إرثها التاريخي وسخروه إلى مشاريع استثمارية تحولوا من خلالها إلى منافسين لكبار الرأسماليين والمستثمرين الوطنيين الذي راكموا هم وآباؤهم وأجدادهم ثرواتهم عبر مئات السنين من العمل المضني المشروع والخلاق.
منذ أشهر وقبيل الاحتفال بالعيد السادس والخمسين لثورة 14 أوكتوبر المجيدة كان أحد رموز هذه الثورة يرقد على فراش المرض في مستشفى الثورة بصنعاء، ولم يخجل أي من المتنازعين على السلطة ليتطوع لنقل الرجل للعلاج في البلد والمستشفى المناسبين، لكنهم تسابقوا جميعا في أصدار بيانات النعي عندما اختطف الموت روحه، إنه المناضل الأكتوبري الفقيد علي صالح عباد مقبل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني، ومثل هذه الحالة نظم عدد من الناشطيين والمقتدرين حملة لجمع تبرعات لمناضل أكتوبري آخر يعاني من مرض مزمن، لم تمكنه ظروفه من مواجهة نفقات العلاج، ولا شك أن أمثال هذه الحالات بالمئات لا يلتفت إليها أحد من صناع القرار في هذا البلد، بينما يتحكم مجموعة من الصبية الطارئين بموارد البلد كجزء من تحكمهم بمصائر وحيوات ومستقبل أهل هذا البلد.
سيمر نوفمبر مثلما مر قبله سبتمبر وأكتوبر وسيتبادل المتخمون المتطفلون على التاريخ ومعهم الطارئون التهاني وسيمتدحون تاريخا هم يبغضونه من كل قلوبهم، وسيشيدون بمناضلين صنعوا الحدث لا يعلمون عنهم شيئا لا كيف مات منهم من مات ولا كيف يعيش من لا يزال على قيد الحياة، . . دعك من التساؤل عن أهداف الاستقلال ومنجزاته وما تبقى منها، (إن كان هناك منها بقية باقية) فذلك أكبر من أن يفكر فيه هؤلاء الطارئون وأبعد من أن تتسع لها عقولهم الصغيرة وقلوبهم الضيقة الممتلئة بالضغينة والأنانية السياسية.
نوفمبر العظيم سيبقى حيا في ذاكرة الأجيال، . . . حياً بمنجزاته العظيمة التي خلدها في وجدان من عاشوها، حيا بوحدة الجنوب على أنقاض الدويلات المتناثرة والمشيخات المتباعدة، حياً بالوعي والولاء الوطنيين الذين كرستهما منجزات نوفمبر، . . بالمواطنة الواحدة والعدالة الإنسانية والتأمينات الصحية والاجتماعية والخدمات التعليمية التي أخمدها من سيحتفلون بالمناسبة، وهي التي أنتجت أجيالا من الكوادر والكفاءات التي رمى بها نظام 7/7 على أرصفة البطالة ومتاهات التشرد وشتات النزوح.
المجد لنوفمبر وصانعيه والخلود للشهداء