الاستثمار في الخيبات
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
في تعليق سابق لكاتب هذه السطور تضمن رسالة إلى سعادة السفير السعودي لدى اليمن السيد محمد آل جابر، كنت قد أشرت إلى إن ضيوف الأشقاء من رجال الشرعية من المخيمين في فنادق العليا منذ خمس سنوات لم يقدموا برهانا واحدا على أنهم جزءٌ من المشروع العربي في مواجهة المد الإمبراطوري الإيراني، واختتمت حديثي بمخاطبة سعادة السفير: "نقول لكم يا سعادة السفير: استضيفوهم كما تشاؤون، إكرموهم كما تشاؤون، لكن لا تسلموهم أمور الجنوب، لأنهم لم يجلبوا للجنوب غير الوبال والتفجير والتفخيخ واستجلاب الجماعات الإرهابية وتشجيعها وتمويلها، وتكليفها بالمهمات التي لا يرغبون في القيام بها بأنفسهم".
اليوم عاد الشرعيون إلى عدن وعادت معهم عمليات التفجير والتفخيخ والاغتيال السياسي وإثارة الفوضى الأمنية ونشر المجاميع المسلحة والدراجات النارية القاتلة، ولن يعدم هؤلاء الشرعيون الورقة التي يكتبون فيها بيانات النعي وإدانة الضحايا وأهاليهم باعتبارهم فشلوا في حماية أنفسهم.
نعود إلى الأشقاء في التحالف العربي ونخص هنا الأشقاء في المملكة العربية السعودية، لنؤكد بأن الجنوبيين بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي (مع كل التقدير لبقية المكونات الجنوبية) قد وقعوا على اتفاق الرياض صادقين موقنين بأن هذا الاتفاق له هدفٌ واحد وهو حشد الطاقات والممكنات الرافضة للمشروع الحوثي المكلف بتنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة، وفي حين يعد الجنوبيون أنفسهم للشروع في تنفيذ بنود الاتفاق يقوم ضيوفكم بحشد الحشود وإعداد الفيالق بالآلاف المؤلفة ليس لاستعادة العاصمة صنعاء من أيدي الحوثيين، بل لغزو عدن ومحافظات الجنوب، وكلكم تعلمون أن تحركهم من فرضة نهم باتجاه صنعاء التي تبعد عنهم أقل من 40 كيلو متر، قد تعثر لخمس سنوات متواصلة، لكنهم وخلال ساعات تمكنوا من اقتحام شبوة المحررة وحولوها إلى خرابة وفتحوا أبوابها مشرعة للجماعات الإرهابية بعد أن استأصلتها النخبة الشبوانية بدعمكم والأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مرة أخرى نذكر الأشقاء في التحالف العربي بأننا لا نطلب منهم أن يطردوا ضيوفهم، أو أن يحاربوهم، لكننا نقول لهم أن الرهان على أن هؤلاء سيفون بعهدٍ أو سيتقيدون بالتزامٍ إنما هو رهانٌ خاسر، فتجربة عشرات العهود والمواثيق والمخرجات التي وقعوا عليها ثم نكثوا بها تؤكد أنهم قومٌ يظهرون عكس ما يبطنون فيفعلون ما لا يقولون ويقولون ما لا يفعلون، ذلك لأن الكثير من هؤلاء ليس لهم من مهنة سوى صناعة الخيبات لأنفسهم ولمن يراهن عليهم، وما تجربة السنوات الخمس سوى برهان على ما نقوله، ناهيك عن حروب السبع سنوات مع المتمردين الحوثيين في صعدة التي بدأت بمناوشه في إحدى القرى وانتهت بتسليم صعدة وصنعاء وكل البلد، مدينة وعاصمةً وجيشا ووطناً وشعباً لهؤلاء المتمردين ليردد ممولهم أن صنعاء هي رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران ووكلائها.
اتفاق الرياض ليس مكسباً للجنوبيين لكنهم يتقيدون به كالتزام أدبي وأخلاقي وقانوني وسياسي في التعامل مع الأشقاء، بيد إن فشله سيكون خيبة إضافية من الخيبات التي صنعها الضيوف وورطوا فيها الأشقاء في دول التحالف العربي، ومن هنا فإن مسؤولية حمايته لا تقتصر على الجنوب ومجلسه الانتقالي بل إنها في المقدمة تقع على دول التحالف العربي وعلى وجه الخصوص الأشقاء في المملكة أصحاب المبادرة للحوار والاتفاق الذي نجم عنه، أما تجار الخيبات فإن فشل الاتفاق هو مما يبعث سرورهم لأنهم أصلا لم يكونوا يتمنون التوصل إليه، وهاهم قد شرعوا في إعداد العدة للانقضاض عليه ولن يعدموا وسيلةً للبحث عن متهم يلصقون به تهمة إفشال الاتفاق فهم ماهرون في صناعة الأكاذيب وهندسة الافتراءات.
اتفاق الرياض يتعرض للتهديد على أيدي الضيوف المقيمين في فنادق العليا بالرياض وإذا ما تعرض الجنوب لمحاولة غزو جديدة كما جرى في نهاية أغسطس الماضي فإن الجنوبيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي، ولا أتصور أن الاتفاق يمنعهم من الدفاع عن أرضهم وعن تضحيات شهدائهم وعن كرامة أهلهم في وجه من يريد أن يعيدهم إلى أوضاع ما قبل 2015م، لكن عواقب هذه الحبكات الشيطانية لن تنعكس على الجنوب وحده بل ستمتد إلى الجميع بما في ذلك صانعي هذه الحبكات ومنتجي الفبركات والخدع البصرية ممن أسميناهم بـ"تجار الخيبات".