الحرب في اليمن تتحول إلى الاقتصاد

منذ مايو 1990 وحتى يومنا هذا لا توجد قوى عظمى في العالم تنقل الألوية (الجنود والآليات بالآلاف) من اتجاه الشمال إلى الجنوب أسرع من القوى القبلية والدينية والعسكرية الشمالية وأحزابها السياسية، وكذلك لا توجد قوى اقتصادية في العالم بنفس سرعتها في نقل أموال الدولة المنهوبة إلى دول أفريقيا وأوروبا وشرق آسيا وحتى الاسكا، لأنها الأفضل والأقرب لهذه القوى السوداء من كرش وعدن.

مشكلة دمار اقتصاد اليمن تنحصر في المقام الأول في نهب المال العام وصراع النخبة القبلية والعسكرية والحزبية في الشمال بعد الوحدة اليمنية على السلطة والنفوذ والثروات وعلى الجنوب وبالذات على ثرواته وموقعه الجغرافي، أما المقام الثاني من المشكلة فيكمن في تكريس مقدرات الدولة الاقتصادية الشحيحة أصلا في مجهودات حروب هذه القوى القبلية الشمالية على الجنوب وللأسف بمشاركة بعض النخب الجنوبية الأنانية "سماسرة سياسة واقتصاد".

جماعة المؤتمر تتنعم اليوم وهي خارج السلطة بما أخذته أثناء حكم صالح للبلاد، بينما يستفيد اليوم أنصار الله بعد سقوط نظام عفاش من قطاعات اقتصادية كثيرة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، فالحرب الأخيرة فتحت لهم أبواب التجارة والمال من أوسع أبوابها ومن مصادر لم تكن في حسبانهم، إلا أن حزب الإصلاح اليوم يتربع من بين القوى الشمالية كافة على عرش الاستفادة من كل الحروب اليمنية الداخلية اقتصاديا وعسكريا ناهيك عن الآلاف من الاستثمارات في الخارج، فهو يشارك في جميع الحروب ومع كل القوى القبلية والعسكرية الشمالية ومع الجميع ضد الجميع خاصة ضد الجنوب، مع إدراك هذا الحزب التام والدائم، بأن هذه الحروب سبب رئيسي في انهيار اقتصاد اليمن بكامله وفي تراجع كارثي لمستوى معيشة الناس وجرت جزءا كبيراً من السكان القادرين على العمل إلى الجبهات مما أدى إلى انخفاض نشاط الإنتاج في البلاد ومغادرة الشركات الأجنبية وانخفاض في سعر صرف العملة المحلية الريال اليمني - مقابل الدولار الأمريكي، وارتفعت أسعار المنتجات الغذائية الأساسية الدقيق والأرز ومنتجات اللحوم، وأصبح اليوم من بين 26 مليون شخص في اليمن هناك 85 ٪ منهم تحت خط الفقر.

مع أن هذه القوى القبلية والعسكرية المتخلفة ونخبتها السياسية تعلم أن اقتصاد اليمن الموحد ينتمي في جميع فترات وجوده إلى فئة الاقتصادات العربية الأقل نمواً والأكثر فقراً من بين 22 دولة تشكل جامعة الدول العربية، حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي للسودان وموريتانيا فقط أقل من اليمن، إلا أن بعض النخب السياسية والقوى القبلية والعسكرية الشمالية للهضبة المقدسة دائما ما تصر على الحلول العسكرية المدمرة للمشاكل الداخلية للبلاد وأبدعت في إيذاء الجنوب ودماره وعدن خاصة، وفي نفس الوقت أبدعت في تجنيب صنعاء ويلات الحروب بل وإعادة تحديث بنيتها التحتية وشيدت فيها الجسور والأنفاق وشبكة طرق وصرف صحي متطورة، واليوم هذه القوى وبتحالفاتها السوداء مع حزب الإصلاح تتقاسم المحافظات والموانئ الاقتصادية، قسمت الحديدة وميناءها للحوثي وتعز، وميناء المخا للإصلاح، وتحشد من جديد في أبين بعد سيطرتها على منابع النفط الجنوبية وعينها على العاصمة عدن ومينائها العالمي، ولكنها لا تدرك أن هذه الحشود العسكرية المصابة بمرض نقص المناعة الجسدية والوطنية مكبلة بقيود اتفاق إن لم يتم الالتزام به فالمفاجأة ربما تكون قاسية عليها، أولا لأن الجنوب اليوم ليس جنوب الأمس، ثانيا السعودية لا تريد على حدودها سلطة سياسية واقتصادية مطلقة في الشمال لا بيد الحوثيين "إيران" أو الإصلاح "إخوان تركيا، قطر"، ثالثا زيارة وفد من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" مقر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في الرياض وهو بالمناسبة ثاني اجتماع بين الطرفين وتسعى "الإسكوا" من خلال الاجتماعات إلى إيجاد حلول تنموية اقتصادية واجتماعية ومؤسسية للتعافي وتثبيت حالة الاستقرار في اليمن وعدن بالذات، لأنها تقع على طريق مفصلي بين البحر الأحمر وبحر العرب وهو طريق رئيسي مرتبط بمشروع "نيوم (NEOM)" السعودي والحليم تكفيه الإشارة.