التحدي الحقيقي

واحدة من تحديات المستقبل إعادة صياغة الإنسان، صياغة الثقافة والفكر والسياسة والتعليم في الجنوب القادم، نتجه إلى تحديد الأولويات في ظل تركة ثقيلة الأمن والجيش في طليعتها.

لن نجد في أجندة الشرعية مثل هذا المشروع بطبيعة الحال، الشرعية التي كان التعويل عليها يمنيا وجنوبيا كبيرا لا تحمل مشروعها الإنقاذي للوطن، المشروع المغاير نحو الأفضل لتقاليد الحكم العفاشي القائم على الأزمات والتعايش معها، بل جاءت منذ الوهلة الأولى لتستنسخ ذات الصور المرفوضة جماهيريا، وتقوم بعملية تدوير نفايات ذلك العهد الساقط مع إضافات أشد قتامة وسوادا ودون التفات إلى طبيعة ما تمر به البلاد من حرب أتت على الأخضر واليابس، بل إن مؤشر التردي اجتماعيا واقتصاديا وماليا وعسكريا وأمنيا ودبلوماسيا وتعليميا وحتى أخلاقيا قد بلغ مستوى الكارثة.

قد يقول قائل: إنها الحرب، ولكن الحقيقة أن هذه السلطة قد وجدت ضالتها في (الحرب) بالتعايش معها والعيش منها بكثير من الفساد ومزيد من الإفساد وبتعميد أمراء الحرب دون التفات للشعب الذي تطحنه الحرب وما تحمله من مآسٍ، ودون أي مشروع إنقاذي للخروج من المأساة.

يتحول مجلس وزراء العدو الإسرائيلي إلى حكومة مصغرة وقت الأزمات، وإسرائيل هذه دولة عظمى بكل المعايير.

بينما الحكومة اليمنية حدث ولا حرج عن تمددها الاستثنائي وقت الحرب، وقس على ذلك الأداء الكارثي في أغلب مناحيها. لقد رأينا كيف ينتهك العرف الدبلوماسي بتوظيف الأبناء والبنات والزوجات وربما الخليلات أيضا، وأصبح العاملون في المطاعم اليمنية في القاهرة وسواها من حملة الجوازات الحمراء ومن بين رائحة (الحلبة) المنبعثة من أوراقه أصبح هذا الجواز (سبة) ويعامل بما دون المعاملة الاعتيادية في مطارات العالم.

ويستطيع مسئول كبير جدا في وزارة سيادية أن ينهب أموالا طائلة دون رادع ثم الجلوس في البيت بعد أن تعذر سفره، وكأن هذا كل العقاب الذي ناله وقد نجده في قوام الحكومة القادمة.

ومع معاناة الشعب من أزمات الكهرباء والوقود والغاز يستمر التعتيم على موارد البترول والغاز ولمن تذهب أساسا حتى وإن كانت مردوداتها محكومة باتفاقيات مجحفة لا نستطيع إلغاءها، فمن حق المواطن معرفة بنود هذه الاتفاقيات وظروف التوقيع عليها ومن يستحوذ على العائدات ومن يتحكم بالحقول وبالشركات اللوجستية التي تعمل هناك سواء كانت حقيقية أو وهمية.

إن التعويل على شرعية تنام في الفنادق وتتوزع في عواصم الدنيا يغدو كالباحث في الصحارى عن ماء من سراب بعيد.

فاقد الشيء لا يعطي شيئا.

وبدوره الجنوب بقواه المختلفة يستطيع أن يجد مخرجا لمأساته الكبرى التي بدأت باحتلال أرضه في 7/7/1994م بالاتفاق والالتفاف حول المشروع الوطني الجنوبي الذي بدأ يتبلور في المجلس الانتقالي، بالانفتاح عليه والتحاور معه بكثير من الحكمة والاتزان وتغليب المصالح الجنوبية العليا - استعادة دولته السابقة.

ولا يعني ذلك مصادرة حق القوى الجنوبية في العمل والحركة والتعبير وإنما بالتشارك والعمل على القواسم المشتركة ووضعها موضع العمل والتنفيذ.

إن المجلس الانتقالي كجبهة وطنية عريضة وليس حزبا، قد تهيأت له فرص على الأرض ما كنا نحلم بها كجنوبيين يوما، وخاصة بعد اتفاق الرياض مما يتيح لقوى سياسية وحزبية ومنظمات المجتمع المدني والكفاءات العلمية والفكرية والأدبية والشخصيات الوطنية والتاريخية والاجتماعية أن تكون عونا له للسير نحو إنجاز تلك الأماني التي قد تبدو بعيدة المنال ولكنها أقرب إلينا من حبل الوريد إذا خلصت النوايا وصدقت الضمائر، وإن غدا لناظره لقريب.