همس اليراع
الإخوان في التجمع اليمني للإصلاح - 3
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
ألح عليَّ الكثيرون من الزملاء المتابعين في أن أبدأ بتناول موقف الإصلاح من القضية الجنوبية، رغم أن هذا الموقف معروف، ولم أكن أنوي تجاوزه أو الابتعاد عن تناوله، لكنني كنت قد خططت لتناول مجموعة من المشاهد التي تعبر عن مأزق التجمع وسوء تعامله مع هذا المأزق، ومع ذلك فها أنا أستجيب لمناشدات الزملاء المتابعين.
*. من المعروف أن التجمع اليمني للإصلاح كان شريكاً رئيسيا في حرب 1994م العدوانية على الجنوب وكان قادته وزعماؤه الدينيين هم المنظرين والعرابين لهذه الحرب وهم من أفتى بإباحة ليس فقط غزو الجنوب واحتلاله وتدمير دولته، بل واستباحة أعراض وممتلكات وحقوق أهله وقتل نسائه ورجاله وأطفاله وليست فتوى الديلمي وحدها من أباح ذلك، بل لقد روى لي زملاء جنوبيون وشماليون كانوا يقيمون في صنعاء وبعض مدن الشمال، قبل وأثناء الحرب، بأن خطب فقهاء التجمع وأئمة مساجده، لم تكفر فقط قادة وأعضاء الحزب الاشتراكي بل لقد اعتبرت كل الجنوب دار كفر ينطبق عليها ما انطبق على أعداء الإسلام في غزوات المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين من إحراق وتدمير وسلب ونهب وسبي واستباحة واستحلال .
* لم يتغير موقف التجمع من قضية الجنوب بل ازداد تجذراً واستفحالا بمرور سنوات ما بعد الحرب ونال قادة الحزب وهيئاته نصيبهم الوافر من غنائم الحرب، ليس فقط من أملاك الحزب الاشتراكي اليمني ومقراته ومنازل قادته النازحين، ومن أملاك ومؤسسات الدولة بل ومن الوظائف المغتصبة وأملاك المواطنين المنهوبة ومن الثروات والأراضي المستولى عليها ومن شركات ومؤسسات القطاع العام والتعاوني التي تحولت جميعها إلى غنائم حرب، والحديث في هذا الأمر صار معروفا ولا يحتاج إلى مزيد من التفاصيل.
*. ويتذكر الكثيرون ذلك الحديث الصريح الذي أدلى به الأستاذ محمد اليدومي (وكان حينها نائب رئيس الهيئة العليا للإصلاح) في مناظرته مع المرحوم الأستاذ علي صالح عباد مقبل على شاشة قناة الجزيرة حينما قال: "سننقل خمسة ملايين مواطن شمالي إلى الجنوب وسنمكنهم من العمل والسكن والتزاوج والإنجاب حتى نحافظ على الوحدة اليمنية" ويبدو أن خطة النقل والتمكين قد نفذت وما تزال تنفذ بأشكال ووسائل مختلفة، وقد أثبتت الخطة نجاعتها في العام 2015م عندما تحول كل "المنقولين" إلى قناصة ومقاتلين أشداء إلى جانب مشروع الغزو والانقلاب وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم الحرب والإبادة لم يسلم منها الاطفال والنساء والعجزة المسالمون والنازحون.
*. لا يمكن المرور على هذه القضية دون التعرض ولو بإيجاز لمرحلة اللقاء المشترك، الذي كان طرفاه الرئيسيان هما التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب مجلس التنسيق بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، وحينها كان الرئيس علي عبد الله صالح قد استدعى الشهيد جار الله عمر باعتباره مهندس هذا اللقاء، وسأله على سبيل الدعابة السياسية التي عرف بمهارته فيها: ماذا استفدتم من التحالف مع الإصلاح، فرد عليه جار الله: استفدنا إيقاف خمسة آلاف مسجد لم يكن لها من شغل سوى تمجيد الحرب ونتائجها ولعن الحزب الاشتراكي.
لقد توقف إعلام الإصلاح وخطابات قادته خلال فترة اللقاء المشترك، عن تقديس الحرب والدفاع عن نتائجها وتكفير الجنوب، لكن لا بد من معرفة أن تحالف اللقاء المشترك كان تكتيكيا ولم يكن قضية استراتيجية، وكان هدف هذه العمل التكتيكي هو تفكيك جبهة الطغيان ومواجهة استبداد نظام علي عبد الله صالح، وقد كاد هذا التكتيك أن ينجح من خلال تجربة الثورة الشبابية السلمية لولا الخذلان الذي تعرضت له الثورة من خلال تلك الصفقة البائسة التي حولت الثورة إلى تقاسم للسلطة وجرى ما جرى ووصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من خراب وحرب لا نهاية لها.
*. وبالعودة إلى تجربة اللقاء المشترك، ومن خلال مساهمتي المتواضعة في بعض هيئاته، فقد لوحظ توقف قادة التجمع ومنابره الإعلامية عن مهاجمة الجنوب وتوقف الحديث عن الانفصال، وحتى عند انتقاد نتائج الحرب وما ألحقته بالجنوب من أذى لم يتردد الإخوة الإصلاحيون عن إدانة المظالم والممارسات الجائرة بحق الجنوب والجنوبيين، لكن هذا كان يقتصر على المجاملات اللفظية وفي أحسن الأحوال اتهام الرئيس صالح ونظامه بهذه الممارسات والسياسات الظالمة واعتبارها جزء من المظالم السائدة في الشمال والجنوب، وكانت أكثر المواقف تشددا وتعصبا تصدر من بعض القادة والإعلاميين الإصلاحيين الجنوبيين، وفي العموم فإن موقف الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح من القضية الجنوبية ظل يراوح بين الإقرار اللفظي بالقضية كمسمى وبين رفض أي تعريف دقيق لها ناهيك عن التمنع نحو وضع أي تصورات تنقلها من دائرة التنظير إلى دائرة المعالجة، وما زلت أتذكر إنه وأثناء فترة التشاور الوطني الذي دعا إليه المشترك خلال عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٠م كنت قد تقدمت بمقترح أن يتبنى اللقاء المشترك الدعوة لقيام دولة اتحادية بإقليمين شمالي وجنوبي، وكانت ردود أفعال قادة الإصلاح ومعهم بعض القادة الناصريين لا تختلف عن ردهم فيما لو أنني دعوت إلى الشرك بالله والعودة إلى عبادة الأوثان