المليشيات الشريرة.. القيود الحوثية تحرم الملايين من المساعدات الأمريكية
في الوقت الذي يتواصل فيه النهب الحوثي للمساعدات الإنسانية على صعيد واسع، فإنّ كثيرًا من المدنيين سيدفعون ثمن هذا الإرهاب.
مسؤولون أمريكيون كشفوا لصحيفة "واشنطن بوست" أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس تعليق جزء كبير من مساعداتها الإنسانية لليمن كرد على القيود التي يفرضها الحوثيون، والتي تشمل سرقة المساعدات وتمويلها لمقاتليهم في الجبهات بالاضافة إلى الانتهاكات والمعاملات السيئة التي يمارسونها ضد عمال ومسؤولي المنظمات الانسانية.
وكان فريق لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة كشف في تقريره السنوي أنّ ما يثير القلق بشكل خاص هو اشتراط الحوثيين على أن 2٪ من ميزانية كل مشروع إنساني تمت الموافقة عليه ستذهب لصالح المليشيات.
وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية إنّ الولايات المتحدة تنسق مع الدول المانحة الأخرى ومنظمات الإغاثة بشأن ردود محتملة على "الضريبة" التي تفرضها مليشيا الحوثي على مشروعات المساعدة وغيرها من الإجراءات الجديدة في مناطق سيطرة الحوثيين.
وذكر المسؤول الأمريكي الرفيع، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "نحن في وضع مؤسف ونحاول جاهدين حل المشكلة (..) وإذا تم اتخاذ مثل هذا الإجراء، فسيتم فرضه بسبب إعاقة وسرقة الحوثيين التي لم يسبق لها مثيل".
وأضاف أنّ تعليق أو تقليص المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ستكون مسألة محورية بالنسبة للولايات المتحدة والجهات المانحة الأخرى وذلك عندما تجتمع الدول المانحة ومجموعات الإغاثة في بروكسل هذا الأسبوع.
وكشف فريق لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة في تقريره السنوي، أنّ مليشيا الحوثي تمارس عمليات اعتقال وتخويف للعاملين في المجال الإنساني ونهب المساعدات وتحويلها الى مقاتليهم بالجبهات، وكذلك الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات الشخصية للعاملين في المجال الإنساني والممتلكات التابعة للمنظمات الإنسانية في صنعاء وعدم احترامهم استقلال المنظمات الإنسانية بالاضافة الى العديد من العوائق الإدارية والبيروقراطية، بما في ذلك التأخير في الموافقة على الاتفاقات الفرعية لمدة تصل إلى 11 شهرًا، والاجتماعات والمفاوضات المستهلكة للوقت مع "الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية ومواجهة الكوارث" التابعة للحوثيين.
وقال أحد عمال الإغاثة المطلعين على العمليات في اليمن لصحيفة "واشنطن بوست"، إنَّ هذه الانتهاكات الحوثية قد وصلت إلى "درجة الحمى"، لكنه وصف ضريبة الـ 2% التي تفرضها مليشيات الحوثيين بأنها "خط أحمر" تضاعف من مخاوف جماعات الإغاثة.
ويؤكّد المسؤولون المطلعون على المناقشات أنّ إدارة ترامب قد أبلغت المنظمات الإنسانية بالفعل أن التعليق، في حال تم إاقراره، سيدخل حيز التنفيذ في 1 مارس المقبل.
وأوضحت الصحيفة أنّ الولايات المتحدة قدمت نحو 746 مليون دولار كمساعدة في اليمن في 2019، واعتبرت أنّ إقدام أحد أكبر المانحين في اليمن - الولايات المتحدة - على مثل هذه الخطوة، والتي، حال تم تنفيذها، يؤكد مدى التحدي المتمثل في إدارة عمليات المساعدات في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثيين.
ويعرب المسؤولون الإنسانيون، الذين خفضوا المساعدات بالفعل بسبب القيود التي يفرضها الحوثيون، عن قلقهم من أن تؤدي عمليات الإيقاف على نطاق واسع إلى تفاقم الظروف المأساوية بالنسبة لليمنيين.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت أنّ المساعدات المقدمة لليمن تحت قيادة الحوثيين ستخفض في شهر مارس المقبل، في خطوة غير معتادة، لأن المانحين والمنظمات الإنسانية لم يعد بإمكانها ضمان وصول المساعدات لمن يستحقها.
وأضافت المصادر حديثها لوكالة رويترز، أنَّ "السلطات الحوثية في شمال حيث يقيم أغلب اليمنيين المعتمدين على المساعدات، تعطل جهود توصيل الغذاء ومساعدات أخرى لمن يستحقونها بدرجة لم تعد محتملة".
وصرّح مسؤول أممي بارز: "مناخ العمل في شمال اليمن تراجع بدرجة كبيرة في الأشهر القليلة الماضية حتى أنّ العاملين في القطاع الإنساني لم يعد باستطاعتهم إدارة المخاطر المتعلقة بتوصيل المساعدات بالكميات الراهنة".
وأضاف: "ما لم يتحسن الوضع فإنّ المانحين والعاملين في المجال الإنساني لن يكون أمامهم خيار سوى خفض المساعدات، وسيشمل ذلك خفض بعض المساعدات الغذائية التي يشرف عليها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والتي تطعم أكثر من 12 مليون شخص كل شهر".
وتصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض وتقول إن الملايين هناك يقتربون من الموت جوعًا.
وعلى مدار العام الماضي، شكت وكالات الإغاثة علنًا وسرًا من سوء ظروف العمل والافتقار لتصاريح السفر وقيود أخرى على الدخول، ما ترك العاملين في حالة سخط وغير قادرين على العمل بكامل طاقتهم.
ومنذ أن أشعلت المليشيات الحوثية حربها العبثية في صيف 2014، استهدف هذا الفصيل الإرهابي الموالي لإيران الأزمة الإنسانية، وهو ما كبَّد المدنيين كثيرًا من الأعباء.
وتواصل مليشيا الحوثي ممارسة سياسة ممنهجة لنهب المساعدات الإغاثية والدوائية في مناطق سيطرتها من أجل تجويع السكان.
وقال مصدر مسؤول بمجال الإغاثة إنّ انتهاكات الحوثيين بحق المساعدات مستمرة حتى اللحظة بدءًا من عرقلة وصول القوافل المحملة بالمساعدات الغذائية والطبية والمحروقات النفطية، وصولًا إلى قصف مطاحن الغذاء في الحديدة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي.
وأضاف أنَّ مليشيا الحوثي تستغل الورقة الإنسانية لتحقيق أجندتها واستعطاف المجتمع الدولي، ونوه بأنَّ المليشيات تقصف بشكل مباشر مخازن القمح بصوامع الغلال في الحديدة، بهدف حرق وإتلاف أكثر من 51 ألف طن تابع لبرنامج الغذاء العالمي.
وكانت المليشيات الحوثية قد أتلفت مؤخرًا، سبعة أطنان من الأدوية التابعة لإحدي المنظمات الدولية بعد تعرضها للتلف بسبب رفض الملشيات لفريق عمل المنظمة توزيعها لمدة ثمانية أشهر.
وتعرّضت منظمة العمل لمكافحة الجوع تعرضت لسلسلة من التعسفات الحوثية، حيث مُنعت في الفترات الماضية من توزيع أدوية ومواد غذائية، ما سبّب تلف جزء كبير من المساعدات التي تقدمها للمواطنين في محافظة الحديدة الساحلية.
وفي مدينة الحديدة، كشفت مصادر أنَّ المليشيات الحوثية اقتحمت أحد مخازن المنظمة وأتلفت كميات كبيرة منها 48 صنفًا من الأدوية للأمراض المزمنة، وكميات أخرى من السوائل الوريدية والفيتامينات.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّه على مدار الأشهر العشرة الماضية، تعرَّضت العشرات من المنظمات الدولية لممارسات تعسفية من الحوثيين؛ بهدف ابتزاز هذه المنظمات، مما أدى ببعضها إلى تعليق أنشطتها في الجانب الإنساني، قبل أن تستأنف العمل من جديد.
وتمثّل سرقة المساعدات الإنسانية أحد أبشع الجرائم التي اعتادت المليشيات الحوثية على ارتكابها، طوال سنوات الحرب، مستهدفةً من وراء ذلك تكبيد السكان أعباء حياتية لا تُطاق.
ووُجِّهت اتهامات رسمية للمليشيات الحوثية باحتجاز ونهب 440 شاحنة مساعدات غذائية وأدوية ومستلزمات طبية ووقود خاص بالمستشفيات في محافظات الحديدة وإب وصنعاء، منذ وصول لجنة المراقبين الدوليين إلى الحديدة عقب اتفاق ستوكهولم في 23 ديسمبر 2018 حتى نهاية ديسمبر 2019.
وقامت المليشيات الحوثية بنهب مساعدات طبية خاصة بشلل الأطفال وإنفلونزا الخنازير في عدد من المحافظات وببيعها للمستشفيات الخاصة بمبالغ كبيرة، ونهب مبلغ 600 مليون ريال تابع لمنظمة الصحة العالمية خاص بلقاحات شلل الأطفال في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
في الوقت نفسه، منعت الميليشيات الحوثية 120 موظفًا أمميًّا من الوصول إلى أحد مخازن برنامج الأغذية العالمي في الحديدة، والذي يحتوي على 51 ألف طن من المساعدات تكفي لأكثر من ثلاثة ملايين و700 ألف شخص لأكثر من ثمانية أشهر، وقصفت هذه المخازن ما أدّى إلى إتلاف كمية كبيرة من تلك المساعدات.
كما احتجزت المليشيات الموالية لإيران، 20 موظفًا تابعين لوكالة التعاون التقني والتنمية الفرنسية "ACTED"، بالإضافة إلى إغلاق مكاتب منظمات أممية ودولية في محافظات الضالع وذمار وإب وصنعاء، واقتحام مخازن المنظمات في محافظات ريمة وذمار والضالع، واحتجاز فريق منظمة الصحة العالمية في مطار صنعاء ومصادرة أجهزة مستلزمات خاصة بالمنظمة، إضافة إلى قيامها بمنع وفد أممي تابع لبرنامج الأغذية العالمي من زيارة تعز.