الحوثيون vs المنظمات الإغاثية.. لماذا احتدت الخلافات؟
تكشفت مزيدٌ من المعلومات عن أزمة المساعدات الدولية التي تنهبها المليشيات الحوثية، على النحو الذي فاقم المأساة الإنسانية.
مصادر عاملة في المساعدات الإنسانية بصنعاء كشفت عن أسباب الخلافات الأخيرة بين مليشيا الحوثي والمنظمات الدولية، والتي دفعت المانحين للتهديد بإيقاف تمويل برامج المساعدات الإغاثية في مناطق سيطرة المليشيات.
وقالت المصادر لـ"المشهد العربي"، إن الخلافات بدأت بعد إيقاف مخصصات مالية ضخمة كانت تصرف من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا "الأوتشا", كميزانية لما يسمى هيئة تنسيق وإدارة الشئون الإنسانية التي قامت المليشيات بإنشائه للسيطرة على المساعدات.
وأضافت أن الخلافات نشأت أيضًا بعد توقيف مخصصات مالية كبيرة تصرف شهريًّا من منظمات الأمم المتحدة المختلفة لقيادات حوثية تحت بنود التنسيق والتسهيل.
وأشارت إلى أنّ هذه الميزانية كانت تصرف لقيادات بشكل شهري بينهم القيادي النافذ محمد علي الحوثي عضو ما يسمى المجلس السياسي, وأحمد حامد المعين من المليشيات مديرًا لمكتب رئاسة الجمهورية, ورئيس مجلس إدارة ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية, وعبدالمحسن الطاووس المسؤول عن المجلس, وقيادات حوثية أخرى بينهم القيادي فيصل مدهش الذي عين مؤخرًا في هذا المجلس.
ولفتت المصادر إلى أنّ القيادات الحوثية ردت على إيقاف تلك المخصصات المالية بفرض ضريبة على المساعدات تذهب ريعها لصالح مجلسهم, وهو ما رفضته منسقة الشئون الانسانية في اليمن ليزا غراندي، وحذرت الحوثيين من تأثير ذلك على المانحين.
وشددت على أنّ المليشيات مازالت تفرض الكثير من العراقيل على مشروعات الأمم المتحدة، مطالبةً بإعادة الميزانية التي كانت تصرف من "الأوتشا", وكذلك المخصصات المالية التي كانت مرصودة من منظمات الأمم المتحدة.
وأشارت إلى أن المليشيات زادت من تعنتها لابتزاز المنظمات العاملة في المجال الإنساني والإغاثي, رغم الأموال التي كان يتلقونها باسم تسهيل العمل.
وأفادت المصادر بأنّ القيادي الحوثي النافذ محمد علي الحوثي التقى المدير الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا جورج خوري؛ للمطالبة بإعادة الميزانية التي كانت تصرف للمجلس الحوثي بحجة أنها تصرف على الموظفين الذين يعملون على تسهيل مهام المنظمات الإنسانية والإغاثية.
وأسفرت جرائم الحوثيين في نهب المساعدات الإغاثية وعرقلة توزيعها في مضاعفة الأزمة الإنسانية على صعيد واسع، حتى لجأت كثيرٌ من الأطراف إلى وقف تسليم هذه المساعدات.
وتعتزم الإدارة الأمريكية تعليق مساعداتها بسبب ممارسات مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًّا، في ظل شكاوى وكالات إغاثة من انتهاكات المليشيات الإرهابية، وعرقلتها الجهود الرامية إلى توصيل المساعدات الغذائية وغيرها للمحتاجين، إلى حد لم يعد بالإمكان قبوله وإنه قد يجري تقليص العمليات.
وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إنها تشعر بقلق بالغ إزاء موقف المليشيات الحوثية الذي فاقم من أثر الأزمة بالتدخل في عمليات المساعدات.
وصرّحت بوجا جونجونوالا القائمة بأعمال المتحدث باسم الوكالة: "نعمل بدأب على إيجاد أسلوب يتيح استمرار تقديم المعونة الأمريكية بلا توقف، لكن نتخذ خطوات للتخطيط للقادم مع شركائنا بحيث يمكنهم تعديل برامجهم بشكل آمن ومسؤول في حال اضطررنا لخفض المعونة".
وكان مسؤولٌ كبيرٌ في وزارة الخارجية الأمريكية قال إنّ الجهات المانحة وجماعات المعونة تعتزم وقف المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية اليمن خلال الأشهر المقبلة إذا لم يتوقفوا عن عرقلة وصول المساعدات.
وصرّح المسؤول لوكالة "رويترز"، دون الكشف عن هويته: "ترسم كل جهة مانحة ومنفذة خططا لكيفية التصرف إذا لم يغير الحوثيون سلوكهم على الأرض، ومن بين الخطط تعليق الكثير من برامج المساعدات باستثناء البرامج اللازمة فعلا لإنقاذ الحياة كبرامج إطعام الأطفال المرضي وما شابه".
وأضاف: "الجميع يدرس إطارًا زمنيًّا مدته شهر أو شهران، تلك هي النقطة التي ستبدأ عندها جهات التنفيذ المختلفة تعليق بعض البرامج".
وأشار المسؤول الأمريكي إلى أنه لم يعد من الممكن التغاضي عن هذه الانتهاكات.
وعلى مدار السنوات الماضية، ارتكبت المليشيات الحوثية الكثير من الجرائم والانتهاكات التي أعاقت توزيع المساعدات الدولية وهو ما أدّى إلى إقدام العديد من الأطراف إلى التحذير بتعليق هذه المساعدات التي لم تسلم من النهب والسطو الحوثي.
النهب الحوثي للمساعدات الإغاثية هي جريمة شديدة البشاعة يدفع ثمنها المدنيون الذين يقطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الموالية لإيران.
وأسفرت كل هذه الجرائم الحوثية عن إتساع حدة الفقر بسبب الحرب الحوثية المستعرة من قِبل المليشيات على مدار السنوات الخمس الماضية.
ولوحظ في الفترة الماضية، انتشار مكثف للمتسولين في معظم أنحاء محافظة صنعاء، وهو ينتشرون في معظم الأحياء، يجوبون الشوارع وتقاطعات الطرق والأسواق، يفترشون الأرصفة وأبواب المساجد والمحال التجارية والمنازل، أملًا في الحصول على مساعدات مالية أو عينية.
وما تشهده صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين من زيادة المتسولين أصبح أمرًا غير مسبوق، حتى أصبح التسول من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارًا، بسبب تفشي الجوع وفقد الوظيفة وموت العائل.
ولا تقتصر ظاهرة التسول على شريحة كبار السن الذين يمكن أن يتعاطف الناس معهم، فالأطفال والنساء انضموا أيضًا إلى طابور كبير من المتسولين الذين تمتلئ بهم شوارع المدن.
وكشفت دراسة كانت قد أجريت في 2013، شملت ثماني محافظات، العدد الكلي للمتسولين في صنعاء بنحو 30 ألف طفل وطفلة جميعهم دون سن الـ18، إلا أنّ دراسات أخرى صدرت في 2017 بيّنت أنَّ عدد المتسولين ارتفع بشكل مخيف ليصل إلى أكثر من 1,5 مليون متسول ومتسولة.
وتشهد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تفشيًّا مخيفًا لكارثة المجاعة منذ خمس سنوات على الأقل، مع تزايد أعداد الأسر الفقيرة وفقدان آلاف الأسر لمصادر عيشها.
وهناك ملايين السكان الذين هو بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، في وقت ظهرت فيه مؤشرات المجاعة في أكثر من محافظة، جرّاء الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي منذ صيف 2014.