5 سنوات على (دولة) الحوثي: إعلان الاستسلام أم المقاومة ألف عام؟


لأن مروان الغفوري غادر منصة الخطاب الرومانسي الثوري، وواجههم بحقائق ماثلة على الأرض، فهم يصفون ما يقوله بالاستسلام الذي يمارسونه هم فعلياً على الأرض. فثمة دولة حوثية عاصمتها صنعاء لكن ليست هناك معركة استراتيجية لاستعادة الدولة وتحرير العاصمة. فما يحدث أن الحوثي هو الذي يذهب إلى اليمنيين الذين لم يخضعوا بعد، إما ليقتلهم وإما ليمتثلوا لسلطته. وهناك - يضيف الغفوري - استسلام ضمني، ولا وجود لشيء اسمه "جيش وطني"، فلا أحد في دولة الحوثي يحارب الحوثي استراتيجياً، حتى القبيلة التي هي البنية الكبرى الموازية أصبحت تؤدي دوراً خادماً لدولة الحوثي وتمدها بالسلاح والأسواق. أما الجمهورية فقد أصبحت جزءاً من الماضي، ولم يبق، كما يرى، سوى مايشبه "جمهورية مجهرية في مأرب، وجمهورية ثلاثة شوارع في تعز، وانتهت اللعبة"، بعد أن نجح إرهابي، كعبدالملك الحوثي، في تأسيس دولة فاشية، الحرب في حساباتها أقل كلفة من السلم. 

لكن بموازاة ما يقدمه الغفوري من قراءة واعية للمشهد كما هو في تجلياته على الأرض، هناك خطاب يحارب الحوثي، لكن بوابل من شعارات كثيفة، كالحديث عن "الجمهورية المقدسة" في الخيال، المحفوفة بأشكال متخيلة وغير متخيلة للهزيمة، و تساؤلات حيرى عما يمكن فعله، ضمن خيارات صعبة، كإعلان البيان رقم واحد لبدء مقاومة "وطنية" تأجلت أكثر من خمس سنوات، أو إعلان الاستسلام الضمني للحوثي، أو الذهاب بعيداً في خطاب ثوري لا أساس له عن "مقاتلة الحوثي ألف سنة قادمة"، كما جاء في تقرير برنامج "المساء اليمني"الممهد للحوار .

تعليق:

لو أن الأشقاء في اليمن الحوثي انشغلوا بحقائق مشهدهم، وواجهوا مشاكلهم البنيوية الرئيسة، لما وصلوا إلى لحظة الاستسلام الضمني لدولة فاشية. لكنهم كانوا يهربون إلى الأمام، متناسين أن من خلفهم الإمام، فانشغلوا بإخضاع الجنوب وإضعافه كاستراتيجية وجود ونفوذ، وهاهم يفيقون الآن على مشهد "زي السخام"، فلا جمهورية لهم حيث كانت، ولا جنوب يقبل بمشاريعهم الافتراضية، مثلما لم يستسلم للحوثي الذي ظن أن أدوات اللعبة هي هي في صنعاء وعدن، فاندحر أمام مقاومة شعب مختلف، لم تكن له ألوية ولا قبائل ولا أحزاب كالتي وقعت مع الحوثي اتفاق السلم والشراكة.

أثبتت الوقائع أن ليس هناك جيش وطني، ولا أحزاب وطنية، ولا قبائل وطنية، ولا مشروع وطني، ولم يبق لدولة الحوثي في صنعاء سوى أن تعالج مسألة مشروعيتها، وهي مسألة إجرائية، بعد أن فعّلت المنظومات الاجتماعية والبيروقراطية والبرلمانية لخدماتها، وصارت سلطة أمر واقع يتعامل معها العالم، بعيداً عن خطاب المحللين الفضائيين. 

لكن ما ينبغي أن يفهمه شعاراتيو اليمن الاتحادي الافتراضي الذين يحلمون بإخضاع الجنوب، هو أن من صار بين خيارين: إما القبول بالحوثي وإعلان الاستسلام، وإما إعلان المقاومة لألف عام، هو في لحظة لا يُحسد عليها، ولن يكون الجنوب جزءاً منها، فله خياراته المختلفة، ولقد رفض الحوثي منذ البدء قبل أن يكون دولة وقاومه بقوة، لكنه ليس مجبراً، وليس لديه فائض مقاومة، كي يقاومه بالنيابة في جغرافيا مجاورة لا تقاومه. وليس في استراتيجية الجنوب أن تنشغل أجياله بحل إشكاليات بنية مجتمع "الإمامة" التي تم ترحيلها حتى أتى الإماميون الجدد على ما تبقى من حلم جمهوري هناك، هجس به أحرار 48 و 55 و 62 وسلّمه قادة 2011 لتحالف إخونجي عسكري قبلي وشيج الصلة بالنظام المستبد الفاسد، عبر ما سُمي بالمبادرة الخليجية.