الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي ..ما أشبه الليلة بالبارحة

ما أشبه ليلة المؤتمر الشعبي العام ببارحة الحزب الاشتراكي اليمني, فبصرف النظر عن كون الأول ليس حزبا بالمعنى الحزبي المتعارف عليه بمعايير الحزبية التي درجنا على فهمها, وأنه تأسس على غرار الأحزاب العربية التي تولد من رحم السلطة الحاكمة وتقات عليها, وتضمحل بفقدها,إلا أنه تنظيم يلتقي مع كثير من الأحزاب بالساحة اليمنية بنقاط شبَــه كثيرة-يصعب التعرض لها كلها بهذه التناولة- وما زال بعد هزيمته و مقتل زعيمه  علي عبدالله صالح يوم 4ديسمبر الماضي يمتلك بعض أسباب القوة  والحضور حتى اللحظة.
 فانتخاب رئيسا جديدا له في صنعاء, يوم الأحد," صادق أمين أبو رأس" ,واعتراض عدد من قادته المواليين للشرعية  والامارات بعدن وبالخارج, وحالة التنازع التي تتجاذبه من عدة جهات بالداخل والخارج, بعد أن وجد نفسه أمام مفترق طرق متعددة بعد هزيمته العسكرية أمام حركة الحوثيين, كل هذا أعاد الى الأذهان الحالة التي مــرَّ بها الحزب الاشتراكي اليمني بعد هزيمته في 7يوليو 1994م, مع فرق أن بنية هذا الأخير التنظيمية الصلبة كحزب ملتزم حالت دون وصول السلطة حينها الى درجة أن تنصّب قيادة جديدة له موالية لها, برغم محاولاتها المتعدد حينها,مع أنه  وجد نفسه حينها متناثرا بثلاث اتجاهات مكانية جغرافية, جزءاً منها منكسراً في عدن يحاول يغالب الأوضاع العصيبة, ويتمسك بجذع الوطن والحزب المثخن بالضربات, والاتجاه الآخر قيادات نازحة بالشتات,(عاد بعضها الى الوطن مضطرة بعد أن تخلتْ عنها السعودية إنفاذا لشروط الرئيس صالح المنبثقة من معاهدة توقيع اتفاقية الحدود  بين البلدين عام 2000م,) والاتجاه الأخير قابعاً بين فكيِّ القرش وأنيابه بصنعاء مسلوب الارادة والقرار الى درجة كبيرة لولا أن قيّـض الله له  بعد شهور من نكبته المناضل  الصلب علي صالح عباد"مقبل", استطاع أن يحافظ على وجوده.
   ذلك الوضع مشابها لوضع المؤتمر الشعبي اليوم,  الذي هو الآخر انشطرت قياداته الى ثلاثة أجزاء مكانية وسياسية: ففي الوقت الذي آثرت بعضها البقاء بصعناء تحت رحمة الطرف الذي أنتزع منه مخالبه وقلّــم لع أظافره مطلع ديسمبر الماضي يقودها الشيخ أبو رأس, الزعيم الجديد للحزب, فقد افترقت البقية الى فريقين أحدهما في عدن تحت مظلة الشرعية مكرهة  بعد أن عزّت عليها الخيارات وانسدت بوجهها كل الدروب والآفاق-نتحدث هنا عن القيادات المؤتمرية الشمالية الحقيقية وليس الجنوبية فاقدة الوزن الحزبي والجماهيري شمالا وجنوبا وهي موالية على طول الخط  للرئيس هادي والسعودية -, والجزء الثالث  بالخارج يتنفس بصعوبة من بين مطرقة السعودية وسندان الامارات.
   بُــعيد حرب 94م,ففوق ما تعرض له  الحزب الاشتراكي من تعسف وتنكيل لا مثيل لهما, وسطو ومصادرة  متعددة قامت بها سلطة 7يوليو 94م شملت كل مقراته, وأرصدته ومطابعه وما شابه ذلك من ممتلكات مادية ومعنوية, فقد تعرض كحزب سياسي لمحاولات استهدفت وحدته وقراره السياسي ووجوده,من خلال بعض قياداته الهزيلة التي قامت بمهمة فاشلة ابتدأت المحاولات باستنساخ صحيفته الرسمية" الثوري" الى الثوري الوحدوي وانتهاءً باستنساخ الحزب ذاته" (الاشتراكي الوحدوي), أو ما كان يُـعرف حينها بجناح فتاح.
كل ذلك جرى في وقت افترقت قواه وقيادته شذراً مذراً ,بعد أن وجد الحزب بالداخل والخارج نفسه أمام خيارين أحلاهما علقم: إمـّا الارتماء بمذلة بحضن سلطة الخصم " المسماة بالشرعية" والمزهوة بنشوة النصر العسكري, والمسكونة بثقافة الغطرسة ومنطق هزمناكم المتكئ على فجاجة : (إن لم تكن مع الشرعية فأنت مع الانفصال ), وإما مواجهة تهمة الانفصالية ومكابدة تبعاتها والبقاء بالشتات ,حيث انقسمت قيادته تحت وطأة هذا الوضع الى ثلاثة قناعات سياسية : قيادات ظلت مستملكة بنهج الحزب ومخلصة لمبادئه متحملة كل ما نالها من ضرر وأذى, ولم تنكسر أمام الكم الكبير من أدوات الترغيب ومنهج شراء الذمم ووسائل الترهيب, وقيادات آثرت السلامة والانزواء خلف الحجَــب, والأخرى تخلّـت عن كل قناعاتها الاشتراكية اليسارية بشكل مهين, وشدّتْ رحالها الى وادٍ ذو زرع وضرع, واُسندت لها مهمة جلد الاشتراكي والتشنيع بتاريخه وتاريخ الجنوب عموماً نظير مناصب ومكاسب تبعثرت معظمها سريعاً بعد أن تيقنت تلك السلطة أن الرهان تم على حصان أعرج.
  المؤتمر الشعبي العام اليوم بعد أن أنتقل من مربع السلطة الجانية الى دائرة الضحية المتلقية للعقاب,يُـــعاقب بذات الأدوات و ويُــجلد بنفس السوط  الذي جلد به خصومه ذات يوم من موقع المنتصر, فقد حشره اليوم شريكه السابق خصمه الجديد" الحوثيين" بذات فوهة المدفع الذي حشر شريكه السابق الحزب الاشتراكي, بل ووضِــعَ مرغماً تحت المنطق ذاته: (إن لم تكن معنا فأنت مع العدوان), تماما كما حشره خصمه بالطرف الآخر السعودية والامارات وحزب الاصلاح: (إن لم تكن مع الشرعية فأنت مع الانقلابين). فمن الطريف بالمضحك الى حد البكاء أن المؤتمر الشعبي العام اليوم يُــعاقب بثنائية: (الشرعية والانقلابين), ذات المفردة وذات النهج القهري الذي  سنّــه وعاقب به خصومه " الاشتراكي" -والجنوب كله- أثناء وبعد حرب 94م,حين فرض عليهما ثنائية : (الشرعية والانفصاليين),مضاف لهاتين الشرعتين  شرعية وخيار : (الصمود والعدوان), مع منطق : (إن لم تكن مع الصمود فأنت مع العدوان).!