الالتزام باتفاق الرياض.. الجنوب يمد يده نحو السلام
في الوقت الذي استعرت فيه الخروقات الإخوانية لاتفاق الرياض، جدّدت القيادة الجنوبية ممثلة في المجلس الانتقالي التزامها بهذا المسار؛ إدراكًا بأنّه السبيل نحو تحقيق الاستقرار السياسي وحسم الحرب على المليشيات الحوثية.
أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، مساء اليوم الجمعة، ترحيبه ببيان التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وشدد المتحدث باسمه نزار هيثم، على أهمية اتفاق الرياض، وضرورة احترام الترتيب الزمني لبنوده، وعلى رأسها الشقين السياسي والاقتصادي، مشيرا إلى أن حكومة الشرعية عملت على تعطيلهما كليا.
ودعا في بيان، إلى ضرورة مراجعة المستجدات الطارئة لضمان السلام والاستقرار وتحقيق الأهداف المشتركة، وطالب بتكثيف الجهود لمعالجة أضرار السيول في العاصمة عدن، وتدابير مواجهة فيروس كورونا المستجد.
ونوه بضرورة احترام تطلعات شعب الجنوب، وحقهم في تقرير مصيرهم السياسي، ووصف الاحتياجات الأساسية للمواطن الجنوبي من خدمات وحقوق بأنها "ذات أولوية قصوى لا يمكن تأجيلها أو تسويفها".
وكانت الإدارة العامة للشؤون الخارجية بالمجلس الانتقالي الجنوبي قالت إنّ إعلان حالة الطوارئ وفرض الإدارة الذاتية في جميع الجنوب، هدفه حماية المدنيين وإدارة مرافق ومؤسسات الدولة، وعبرت عن انفتاح المجلس للعمل من أجل حل سياسي عادل ومستدام لقضية شعب الجنوب، من خلال العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
وأشارت إلى استبعاد القضية الجنوبية من الجهود السياسية الأممية، في ظل غياب أي ضمانات دولية لحماية قضية الشعب الجنوبي، ودعت إلى إدراجها قضية الجنوب في عملية سلام برعاية الأمم المتحدة، مؤكدة استعدادها للانخراط بشكل هادف نحو تسوية تفاوضية.
وشددت في بيان، على أن دوافع قرار الإدارة الذاتية لم تأت من فراغ، مؤكدة أنه من الضروري ضمان حماية الجنوب وإدارته، ونبهت إلى أن محافظات الجنوب تعرضت لإهمال المتعمد وعقاب جماعي من حكومات يمنية متعاقبة.
وأضافت أن مسؤولية المجلس الانتقالي الجنوبي تمتد إلى حماية مواطني الجنوب وضمان سلامتهم، وعبرت عن التزام المجلس بالتدخل لضمان الاستقرار والسلامة والرفاه الإنساني للجنوب، مشيرة إلى توجيه الجهود الذاتية للمجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ هذه المهمة.
ولفتت إلى اعتماد حكومة الشرعية، خلال الأونة الماضية، على سياسة العقاب الجماعي تجاه شعب الجنوب، وأشارت إلى إيقاف دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، والإجراءات الممنهجة لتعطيل وإغلاق الخدمات الأساسية وعلى رأسها مياه الشرب ومرافق الصرف الصحي، ووصفت في بيانها إيقاف محطات الكهرباء، بأنها "القشة الأخيرة".
واعتبرت أن انتهاكات حكومة الشرعية، تدابير مصممة لإخضاع شعب الجنوب، موضحة أن الوضع تدهور بعد السيول القاتلة في 21 أبريل الماضي، نتيجة لما ألحقته بعموم محافظات الجنوب من الدمار وعلى رأسها العاصمة عدن، بالإضافة إلى تفاقم خطر جائحة كورونا.
وشددت الإدارة العامة على أن حكومة الشرعية لجأت إلى التصعيد العسكري، بدلاً من توفير الخدمات الأساسية وحماية المدنيين الجنوبيين من تداعيات السيول وجائحة كورونا، وأوضحت أن حكومة الشرعية اتبعت استراتيجية التصعيد العسكري ضد القوات المسلحة الجنوبية، بتنسيق مع عناصر إرهابية متطرفة، منوهة بأن التصعيد العسكري عرّض خطط الاستجابة العاجلة لجائحة كورونا للخطر.
وكشفت عن إخطار الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة عبر نشاطها الدبلوماسي الخاص والعام، بسياسات حكومة الشرعية التي تهدد أمن الجنوب واستقراره، وأشارت إلى أن رسالتها الأخيرة الموجهة إلى الدول الراعية للعملية السياسية وأعضاء مجلس الأمن والمبعوث الخاص، يوم الجمعة الموافق 17 أبريل الماضي، وثقت انتهاك حكومة الشرعية جميع بنود اتفاق الرياض، وقوضت جهود استئناف العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة.
ونبهت أنه لا يمكن التسامح مع سجل حكومة الشرعية الحافل بالعجز والفساد والعقاب الجماعي لشعب الجنوب، وأكدت أن المجلس الانتقالي الجنوبي تدخل وجوبًا لتحمل المسؤولية الكاملة بخصوص الإدارة وتقديم الخدمات الأساسية لشعب الجنوب.
وأعلنت بدء الخبراء والفنيون العمل على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة في الجنوب، بعد تعطيلها عمداً في الفترة الأخيرة، لتوجيه مواردها لخدمة الشعب، ورفضت الوضع الكارثي في الجنوب، الذي نبتت جذوره منذ الوحدة القسرية بعد حرب ظالمة في سنة 1994.
وتابعت: "هدفنا الآن العمل لصالح الجنوب، مع جميع المسؤولين، وشرائح المجتمع الجنوبي، ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق رؤية مشتركة بشكل جماعي لشعب الجنوب".
وكانت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، قد أعلنت حالة الطوارئ العامة في العاصمة عدن وعموم محافظات الجنوب، وقررت عقب اجتماع طارئ بحضور القيادات العليا للجيش الجنوبي، منذ قليل، إعلان الإدارة الذاتية للجنوب بدءا من ليل السبت "الماضي".
ونص القرار على مباشرة لجنة الإدارة الذاتية أداء عملها وفقاً للمهام المحددة لها من رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي.
ودعت الهيئة الجماهير إلى الالتفاف حول قيادتها السياسية ودعمها ومساندتها لتنفيذ إجراءات الإدارة الذاتية للجنوب.
كما قررت تشكيل لجان رقابة على أداء المؤسسات والمرافق العامة ومكافحة الفساد في الهيئات المركزية والمحلية، بتنسيق بين رئيس الجمعية الوطنية ورؤساء القيادات المحلية للمجلس في المحافظات.
وكلفت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي اللجان الاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية بتوجيه عمل الهيئات والمؤسسات والمرافق العامة لتنفيذ الإدارة الذاتية للجنوب، بما لا يتعارض مع مصالح شعب الجنوب.
وطالبت الهيئة محافظي محافظات الجنوب ومسؤولي المؤسسات والمرافق العامة من أبناء الجنوب إلى الاستمرار في أعمالهم.
ودعت دول التحالف العربي والمجتمع الدولي إلى دعم ومساندة إجراءات الإدارة الذاتية لتحقيق أمن واستقرار شعب الجنوب، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وأرجعت الهيئة قرارها إلى تزايد المؤامرات وعدم صرف رواتب وأجور منتسبي المؤسسة العسكرية والتوقف عن دعم الجبهات المشتعلة بالسلاح والذخائر وإهمال أسر الشهداء والجرحى ودعم الإرهاب وقوى التطرف وانهيار الخدمات العامة.
وأشارت إلى استمرار صلف حكومة الشرعية وتسخيرها موارد وممتلكات شعب الجنوب في تمويل أنشطة الفساد وتهربها من تنفيذ التزاماتها في اتفاق الرياض بالتزامن مع صمت غير مبرر من الأشقاء في التحالف العربي.
مثّل إعلان المجلس الانتقالي، الإدارة الذاتية للجنوب صفعة على وجه حكومة الشرعية التي تنفذ خطة مشبوهة، تقوم على احتلال الجنوب وبسط هيمنتهم ونفوذهم عليه، في وقتٍ تركت فيه الحكومة المخترقة من حزب الإصلاح الإخواني أراضيها من أجل الحوثيين.
وفيما أبدى الجنوب التزامًا كاملًا ببنود اتفاق الرياض الموقع مع حكومة الشرعية في الخامس من نوفمبر الماضي، إلا أنّ "الأخيرة" دأبت على خرق بنود هذه الاتفاق، وعملت ليل نهار على استفزاز الجنوب عبر سلسلة من التحركات العسكرية، فضلًا عن صناعة أزمات حياتية، جاء إعلان الإدارة الذاتية ليحاربها.
وبالنظر إلى مجريات الأمور على مدار السنوات الماضية، فقد أثبتت "الشرعية" أنّها لا تعادي المليشيات الحوثية، بل تقوم بينهما علاقات مشبوهة، تجلّت كثيرًا فيما أقدمت عليه المليشيات الإخوانية بتسليم نهم والجوف للمليشيات الحوثية، فيما يتم الحديث الآن عن تسليم مأرب للحوثيين أيضًا.
تسليم الإخوان الجبهات للحوثيين يهدف في المقام الأول إلى فتح جبهات قتال ضد الجنوب وشعبه، في محاولة من هذا الفصيل المخترق للشرعية للعمل على بسط سيطرته على الجنوب، في وقتٍ لا يولي أي اهتمام للحرب على الحوثيين، وذلك ضمن الخيانات الإخوانية المتواصلة للتحالف العربي.
إزاء ذلك، فقد كان من الطبيعي أن يشن أبواق "الإصلاح" هجومًا على إعلان الإدارة الذاتية، لما في ذلك في ضربة قاسمة لمؤامراتهم الخبيثة التي تستهدف الجنوب، وإفشالًا لأجنداتهم التي أعدتها دولتا قطر وتركيا، في محاولة لتثبيت النفوذ الإخواني الإرهابي.
تجلّى هذا العداء الإخواني أيضًا في تعامل هذه المليشيات التابعة للشرعية مع بنود اتفاق الرياض، الذي تعرّض لخروقات عديدة من قِبل هذا الفصيل الإرهابي في محاولة لإفشاله، إدراكًا منهم أنّ الاتفاق يقضي على النفوذ الإخواني.
وعلى الرغم من استعار المؤامرة الإخوانية على الجنوب وشعبه، فإنّ القيادة السياسية لا تزال تولي اهتمامًا كبيرًا بسبل الحل السياسي، وتجلّت هذه الاستراتيجية أيضًا في التعامل مع اتفاق الرياض والمشاركة الفاعلة منذ اللحظة الأولى في الاجتماعات التي استضافتها المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الالتزام بالبنود التي تمّ التوافق عليها، خلافًا لحكومة الشرعية التي مارست كثيرًا من الخروقات للاتفاق.