همس اليراع

هل يتعلم هؤلاء من تاريخهم؟

أعود مرةً أخرى إلى ما سبق أن تناولته في أكثر من منشور عن الحالة السريالية المثيرة للقرف والازدراء حينما أعلنت حكومة الشرعية مدينة عدن "مدينة منكوبة" ثم راح جزء من هذه الحكومة وهو المتنفذ والمتحكم في صناعة القرار بحشد الجحافل وتجييش الفيالق لغزو عدن بالقوة العسكرية، في سلوكٍ لا يشبهه إلَّا سلوك ذلك المعتوه الذي يستغل مأساة امرأةٍ تقاوم الموت محاولاً اغتصابها بالقوة، لكن الحمد لله فقد خذلتهم عدن الجريحة وخذلهم الجنوب وتصدى أبناؤه كلهم للدفاع عن العزة والكرامة وخاب الخائبون.

يرفع المتورطون في حرب أبين نفس الشعارات التي رفعوها منذ العام 1994م عندما رفعوا شعار "الوحدة أو الموت"، و" المفسدة الصغرى والمفسدة الكبرى" فهزموا الوحدة وكان الموت هو ما منحوه للشعب الجنوبي مذ ذاك، ونشروا كل المفاسد وأوصلوها إلى كل بيت في الجنوب، ولم يحرم الشعب الشمالي الشقيق من نصيبه من الموت والمفاسد التي أنتجتها تلك السياسات الخرقاء.

وفي العام 2015م جاء "أشقاؤهم، وشركاؤهم" بشعار "محاربة داعش" فدمروا ما لم يدمر خلال ربع القرن الماضي، ونجح الشعب الجنوبي في دحرهم لكنهم لم يمكنوه من مواصلة بناء أرضه، بل سارعوا للالتحاق بــ"الشرعية" ليختطفوها من الداخل ثم يستعيدوا المبادرة في الحرب على الجنوب وهو ما حاولوه عدة مرات، من خلال حرب الخدمات ونشر الجماعات الإرهابية وأعمال التفجير والتفخيخ والاغتيال والتخريب الاقتصادي والمالي، وما يجري هذه الأيام في أبين ليس سوى جزءٍ من مخططهم المتأصِّل منذ العام 1994م وما قبل.

أفلس هؤلاء في كل محاولاتهم، لكنهم يشطبون من دفاتر دروسهم إخفاقاتهم وخيباتهم وكل البلاوي التي جلبوها على الوطن والمواطن، بل أنهم سرعان ما ينطون إلى كتاب الفتوى، ليقنعوا ضحايا خيباتهم بأن الكوارث التي سببوها لهم ما هي إلا ابتلاء وامتحان من الله لاختبار مستوى الإيمان عندهم، لكنهم لا يفسرون لنا كيف يبتلي الله الفقراء والضحايا، ويدعهم يرفلون في نعيم المنهوبات والمسروقات وما استحوذوا عليه من موارد البلد وحقوق هؤلاء الفقراء فهم وحدهم من لا يبتليهم الله.

ليس هناك أرخص من الكذب والتزييف، لكن مأساة بلدنا أن هناك طبقة سياسية محصنة ضد التعلم وممنوعة من استخلاص الدروس والعبر لا من الإخفاقات ولا حتى من النجاحات (النادرة جداً)، وليس بعيداً عندما قال عبقرية القرن العشرين ألبرت آينشتاين إن الغباء ليس أكثر من " فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة" وهؤلاء لم يكتفوا بالمرتين بل يضاعفون المحاولات التي بها ينقلون البلد من مأساة بحجم الكارثة إلى أخرى أكثر كارثية دون أن يتعلموا من كل الإخفاقات والكوارث التي جلبوها على المجتمع.