سطحية الراشد ... وبلاء الأمة
ثمة هوة سحيقة تختفي فيها حقيقة مميتة تجذب الامة العربية بقوة الى حالة التيه في بيداء واسعة من السطحية وضحالة التفكير، مشهد نتغافل عن رؤيته احيانا وتحجبه احيانا اكثر اسماء وشخصيات قفزت في لحظة العدمية والتيه التي تعانيها الامة لتجلس في مقاعد كان يفترض ان تكون للنخبة، وان كان مصطلح النخبة بات يعني الهراء في واقعنا العربي اكثر بكثير مما يعني شيئا اخر.
هي ماساة بدأت حين ارادت الامة ان ترتقي وتطال ذيول النهضة فبعثت بمئات الطلبة الى باريس ولندن وغيرهما وبدلا من ان يعود اولئك بالتكنولوجيا كما فعل اقرانهم اليابانيون مثلا عادوا أغلبهم لينظروا دونما فائدة ممهدين الطريق لما اصبح اليوم يطبع تفكير الامة او اغلبه من (السطحية) التي لانزال نعاني منها الى اليوم.
يبدو لك بعض الكتاب العرب وهم يكتبون عن اليمن ومايجري فيه انهم لايعرفون عن هذا البلد سوى الاسم الذي يمتزج في عقولهم بنوع من التعالي والسخرية تضاف الى مايتمتعون به من سطحية لتنتج خلطة عجيبة جعلت ابن اخي المراهق يقول لي : " قرات مقالا لعبدالرحمن الراشد جعلني أريد الاتصال به لاعطيه فكرة اولية عن اليمن".
يتحدث نوح ابن اخي وهذا هو اسمه عن مقال اخير للاستاذ عبدالرحمن الراشد، حاول ان يحلل فيه احداث عدن الاخيرة، ليظهر الرجل بطريقة كشفت سطحية الرجل وجهله بما يجري وبالوضع اليمني بشكل عام رغم انه من سكان دولة جاره وشقيقة، نستطيع التماس الاعذار لجهل الراشد باليمن لتعقيدات المشهد فيه، لكن التماس العذر للسطحية التي ظهر فيها مقاله لا عذر لها في رايي.
تحدث الراشد في بداية مقاله عن جهة تريد استمرار الحرب متهما الجنوبيين انهم اصحاب هذا التوجه، مع ان اولئك حسموا امر الحرب في وطنهم خلال اشهر لم تتجاوز الاربعة وطردوا الحوثين شر طردة، بينما من يرى الراشد انها الجهة الساعية للحسم عالقة للعام الثالث في تبة جهل الراشد.
حاول اخونا تقديم نفسه كمتابع جيد لتطورات الحرب بسطرين كشفت عن انه يستقي معلوماته من وكالة سبا او تلفزيون الشرعية او قناة الجزيرة، مقدما مارآه وهو يكتب المقال في شريط اخبار احدى تلك القنوات، قبل ان يعرض لنا اكتشافا عظيما سيغير وجه الكرة الارضيه الى الابد مفاده ان القوى الانفصالية ـ كما سماها ـ تنفذ اجندات ايران وقطر ضد الشرعية، ولو كلف الراشد نفسه وهو الصحفي العظيم بمتابعة الاعلام القطري والايراني وقت الاحداث فقط لما ابدع ذلك الاكتشاف المبين، ناهيك عن تتبع الاحداث وتطوراتها منذ سنين بل عقود، فلو ان الانفصاليين ينفذون اجندات ايران وقطر لما قدموا اول وآخر انتصار للامة ـ حتى الان على الاقل ـ على المشروع الايراني، اما عن تنفيذ اجندة قطر فلو انك كلفت نفسك ببحث بسيط لمدة ساعة الى ساعتين لاكتشفت انك لاتعرف عن الامر الا ماتعرفه عن الحياة في كوكب الزهرة.
مقال الراشد استطاع جمع السطحية كل السطحية في الفقرة التالية التي قدم فيها اخونا حلا ناجعا لكل مشاكل البشرية قائلا بكل بساطة ("ماذا عن رغبتهم في يمن منفصل بدولة مستقلة؟ هذه مسألة تعود لليمنيين مجتمعين؛ إن اتفقوا مستقبلاً على الانفصال فالأمر لهم، وإن لم يتفقوا يستطيع الفريق الداعي للانفصال أن يرفع مطالبه ويحتكم للمنظمات الدولية المتخصصة، بحجة «أن اليمن كان من بلدين مستقلين، والوقت حان للانفصال بعد فشل الوحدة». قد تؤيد الأمم المتحدة، من خلال المحكمة الدولية أو غيرها، هذا الطلب وينتهي الخلاف بطريقة حضارية وقانونية وآمنة، وقد ترفضه وينهي الجدل"). الفقرة بين القوسين منقولة بالنص من مقال الراشد، وقد تضمنت حلا لكل مشاكل هذا العالم وبطريقة سهلة وسلسة جدا وبروشتة تضمنت وصفتين :
الاولى ان اي مشكلة او ازمة في العالم تعود للطرفين فيها فان هم اتفقوا فقد حلت المشكلة، وبهذه الوصفة السحرية يتبين ان كل حروب وازمات العالم كان يمكن تلافيها فقط لو ان الراشد ولد مباشرة بعد ابونا آدم، لكن تبقى مشكلة بسيط جدا، وهي ( طيب ياشيخ راشد اذا لم يتفق الطرفان؟؟ يجيب الراشد : لايوجد اي مشكلة على الطرف المدعي ان يذهب الى المنظمات الدولية المتخصصة، ويضيف لكم ايها الجنوبيون يادعاة الانفصال ان تذهبوا الى المنظمات مثل مجلس الامن وتقدموا قضيتكم وتجلسوا في صالة الانتظار خمس الى عشر دقائق وبحسب الراشد وبالنص (قد تؤيد الأمم المتحدة، من خلال المحكمة الدولية أو غيرها، هذا الطلب وينتهي الخلاف بطريقة حضارية وقانونية وآمنة، وقد ترفضه وينهي الجدل).
والله العظيم ان الفقرات والعبارات الموضوعة بين الاقواس وردت كما هي في مقال الاخ عبدالرحمن الراشد والمقال موجود ويستطيع الجميع العثور عليه. فهل راى احد منكم قط سطحية وسخرية اكثر من هذا الطرح ؟
أ ليست مأساة ان هذا تفكير من يفترض ان يكون من النخبة وصحفي تقلد مناصب كبيرة لايكتفي بالجهل السحيق في بلد جار لبلده، ليظهر سطحية تفكيره في تقديم آلية لحل كل نزاعات الدنيا.
عزيزنا عبدالرحمن الراشد يا ليت الدنيا كانت بهذه البساطة والسطحية لانتهت كل الازمات ولما راينا حروبا قط، وباب المتحدة مفتوح وماعلى المراجعين الا تقديم طلباتهم.
عزيزي الاستاذ عبدالرحمن الراشد انت بمقالك لم تسء الى نفسك فقط بل تعديت على شعب قدم تضحيات عظيمة منذ عقدين ونصف عانى ويعاني فيها ما لاقبل لك بتخيله او التفكير فيه وتعديت على مستقبل واحلام ونضالات شعب لاينتظر منك ومن امثالك انصافا ، فقط يريدكم ان تكفوا عن الخوض في امره الذي لاتعلمون عنه الا اضغاث احلام يقظة فان كان من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فان من حسن قلم الصحفي ان لايتجنى على شعوب لاذنب لها سوى سطحية تفكيره وجهله المركب بواقعهم وقضيتهم .