أردوغان وورقة قندهار

ما يجمع بين المقاطع المسربة للمرتزقة السوريين في ليبيا وأذربيجان أناشيد، تُسمى «جهادية» كانت شائعة بين عناصر تنظيم «القاعدة» بعد وصولهم إلى مدينة قندهار الأفغانية التي كانت معقل التنظيم والحاضنة لقياداته من عبدالله عزام إلى أسامه بن لادن، ووصولاً للملا عمر وأيمن الظواهري، وهذه إشارة مخيفة لمستقبل المرتزقة الذين وإنْ كانوا في هذا التوقيت سوريين، غير أن جنسيات أخرى ستلتحق بهم كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي مع الأفغان العرب الذين تشكلوا في البدء من العرب، ثم امتزجت بهم جنسيات متعددة، وكذلك حصل مع تنظيم «داعش».

مخاطر ما تفعله تركيا أكبر بكثير من ما يظهر من تقديرات تبدو متحفظة مع مقامرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتقد أن اللعب بورقة المرتزقة وتحويل جنوب تركيا وشمال سوريا إلى قندهار أخرى، يماثل ورقة عناصر تنظيم «الإخوان» الذين وفّر لهم إقامةً في تركيا مقابل الهجوم السياسي والإعلامي على أوطانهم العربية التي لفظتهم نظراً لخطورة نهجهم وتطرفهم.

أردوغان مندفع بتوظيف ورقة المرتزقة، فهي كورقة اللاجئين التي ابتز بها الأوروبيين. المرتزقة يوفرون عليه الحنق الشعبي في الداخل التركي، فلن ينسى الأتراك توابيت جنودهم القادمة من شمال العراق في مواجهات الأكراد، وما سببته تلك التوابيت من أزمة عصفت بالدولة التركية؛ لذا وجد في المرتزقة السوريين ورقة مواتية تحقق مكاسب سياسية وشعبوية في انتصاراتهم، ولا تكلفه شيئاً في تداخلاته سواء في ليببا أو أذربيجان.

في 11سبتمبر 2001، استيقظ العالم على هجمات إرهابية، طُبخت في قندهار على يد مجموعات من المتطرفين وجدوا البيئة التي منها أحدثوا تلك الهجمات المهولة والتي تواصلت عبر الذئاب المنفردة في لندن وباريس وبرلين، مما وضع الإرهاب في قائمة أولويات الدول لمحاربته على حساب التعليم والصحة، وغيرها من متطلبات المجتمعات الساعية للأمن والاستقرار. ومع استمرار حرب مكافحة الإرهاب، ظهر تنظيم «داعش» بعد تهاوي أركان الدولة الوطنية في سوريا والعراق، وبأسهام من أردوغان الذي جعل من المعابر التركية نوافذ لتسلل «الدواعش» من كل أنحاء العالم.

من المعلوم أن سياسة أردوغان تقوم على الابتزاز السياسي في الملفات كافة، لكن ملف المرتزقة يبدو أنه أكثر من إدراك الرئيس التركي بخطورته على المنطقة والعالم، فهذه الفئة المؤدلجة تحمل عقيدة متشددة، ومن داخل نواتهم الصلبة سيخرج الذين سيوظفون الآيات والأحاديث الدينية على وضعية هؤلاء الذين دفعتهم للانضمام لمجاميع فقدت الأمل في الحياة، فتحولوا لمشاريع دمار بيد النظام التركي في مغامراته.

وفيما تتناقل نشرات الأخبار أعداد المرتزقة السوريين وطرق نقلهم من الشمال السوري عبر الطائرات والسفن التركية، فإن لا أحد يتحدث عن مستقبل هؤلاء المرتزقة وما يمثلونه من قنبلة ضخمة للغاية ستنفجر، كما انفجر تنظيم «القاعدة» بعد أن سقط الاتحاد السوفييتي وتحولت أفغانستان لميليشيات تتقاتل على الفتات، فإذا بها قندهار تصبح حديث العالم، وإن سقط جدار برلين وانتهت الحرب الباردة.
لا مناص من مواجهة الرئيس التركي أردوغان حول مشكلة تجنيده آلاف المرتزقة السوريين، المواجهة عبر المنظمات الإقليمية، التي عليها أن تتقدم لمجلس الأمن الدولي بطلب جلسات خاصة لوضع حد لتجنيد المرتزقة وتوزيعهم على كل البلاد التي تعيش أزمات سياسية، ما يجدر بالمنظمات الإقليمية العربية اتخاذه من خطوات سيكون أهم من معالجة الملفات المتأزمة في ليبيا أو غيرها بسبب التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للعالم العربي.

ورقة تجنيد المرتزقة في ظل إمكانية وعودة تنظيم «داعش» مع استمرار الاضطرابات في المنطقة، تعني نسفاً لكل جهود مكافحة الإرهاب في العقدين الأخيرين، فهل سينتظر المجتمع الدولي هذه النتيجة، أم أنه سيردع أردوغان المندفع بأحلام وأوهام سلطنة أجداده التي انتهت ولن تعود.