«حديث العرب».. ومهمة التنوير
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
على منصة منتدى دافوس الصحراء 2018، أعلن ولي عهد المملكة العربية السعودية سمو الأمير محمد بن سلمان قيادته لمواجهة ما يسمى بـ«الصحوة»، معلناً عدم استعداد المملكة والمنطقة لأربعين عاماً أخرى، في ظل استحواذ التيارات المتشددة على مجتمعات الشرق الأوسط.
وضوح الرؤية عند القيادة في المنطقة تستلزم تفكيك ما تلبس بالعقل العربي خلال أربعة عقود كانت «الصحوة» تعمل على صب كتل خراسانية، أصابت العقل العربي بالتحجر والجمود وأعادته لما قبل العصور الوسطى بإلغائها الفلسفة، واعتبار العديد من رواد الفلسفة المسلمين فاسقين وملحدين وخارجين عن الدين الإسلامي.
واحد من أبرز البرامج التي تعني بالحوار الفلسفي في الإعلام العربي برنامج «حديث العرب» على قناة سكاي نيوز عربية، ويدير أطروحاته الدكتور سليمان الهتلان، وإذا كان المشاهد العربي قد عاش حلقات متوالية في ليالي شهر رمضان المبارك، فإن ما تلى تلك الحلقات التي استضافت نخباً من مصر والمغرب العربي، ناقشت جوانب فلسفية غاية في الأهمية، وفتحت مجالاً واسعاً لمناقشة لا حدود لها تتخطى الحواجز والأبواب المرصودة وهمياً.
أهمية ما يقدمه برنامج «حديث العرب» أنه يستعيد الفلسفة العربية الإسلامية التي كانت جزءاً من تراث الحضارة الإسلامية، فكرة استعادة الفلسفة تعزز رؤية القيادة السياسية في الدول الوطنية التي حددت خيارها من سيطرة مجموعة الأفكار المتصلبة وإنهاء فصول حقبة تاريخية لا وقت يجب أن يهدر في تجربتها مرة أخرى بمقدار أهمية تكسير الحواجز الاسمنتية الصحوية وترك العقل العربي يحلق في الآفاق.
الإعلام العربي عليه زيادة الجرعات من هذه النوعية من برامج إحياء الفلسفة فهي الآداة الأقوى لتحطيم ما صنعته سنوات الصحوة من جمود للعقل العربي، الأفكار المتشددة استشرت بسبب تجميد النقد العقلي للنص، وكذلك لتوظيف النصوص لتحقيق غايات أخرى ظهرت في الزج بأبناء العرب في محارق الحروب من أفغانستان إلى البوسنة.
واحدة من أهم مهام وسائل الإعلام في دول الاعتدال العربي هي فتح المجال للتنويريين ليضيئوا الطرق المتعددة لآفاق واسعة لجيل ينشأ على فضاء معلوماتي لا حدود له، ولذلك فإن مهمة الإعلام العربي تضل محورية للغاية في أن تضع خططاً كبيرة لفتح هذا المجال لهذه النوعية من البرامج ذات الثقل الفكري، فهي الوحيدة القادرة على أن تفكك خزعبلات الصحويين والحواجز التي وضعوها في عقود مضت، حان وقت تحطيمهما بأفكار منفتحة على الآخر وتتماشى مع تطلعات القيادات السياسية لشرق أوسط متسامح ومتعايش، التنويريون هم القادرون على تغيير المعادلات القائمة في مرحلة الانتقال بين المرحلة الصحوية والمرحلة الجديدة، بما فيها من تحديات تجديد الخطاب الديني والانفتاح المذهبي والطائفي بين المكونات المجتمعية المحلية، وهي المهمة الأساسية التي يجب أن يقوم بها الإعلام العربي.
القيمة الفكرية والفلسفية لنوعية برنامج «حديث العرب» تستحق أن تمنح مساحة العرض الأوسع تماماً كما استأثر «الصحويين» بالإعلام، واختزلوا الخطاب الديني والفكري بما يخدم منهجهم، حتى حصد العالم الإسلامي تصلب الآراء وتشدد الأفكار والانحرافات عن المنافية للوسطية واعتدال المنهج المحمدي الصحيح.