الشّهيد الشوبجي وأسطوريّة التّضحية
علي ثابت القضيبي
- العمل المجتمعي التّطوعي
- المصفاة وإذا إفترضنا هذا صحيحاً !
- عودوا رتبوا بيتنا من الداخل
- المفخّخات السياسية في جنوبنا
* تزاحمت الكلمات في مخيلتي ، وأعجزتني لأيامٍ من أن أرسمها سطوراً تحكي ملحمة بيت الشهيد الشوبجي الجنوبي ، فلازال إيحاء وجهه الصّلب النّائح محفوراً في جدران ذاكرتي ، عكست ذلك صورته الرّائجة عند إستشهاد ولده الثالث ، وفي الصورة الشهداء الثلاثة متوثبين كالفهود ، وهو يعلوهم في كادرها ، لكنّ من عينهِ اليُمنى تنحدرُ دمعةً حرّاء على وجنتهِ ، أتفهّمُ دلالات هذه الدمعة من عينِ رجل صلب كالشوبجي ، وهي كانت مبعث حزني عليه وإرباكي طويلاً ..
* أنا فقدتُ ولداً واحداً شهيداً - بإذنه تعالى - في هذه الحرب ، لذلك أستوعبُ جيداً ثِقل العبئ النفسي لخسارة الولد في حرب ، وأتفهّمُ حجم المعاناة الثقيلة الوطء لغيابهِ النهائي عن الدار وعنّنا ، بل عندما تُحوم ذِكراه وطيفه لأي سبب ، كأن يأتي أحدهم بمناقبه أمامك ، أو عندما تشاهد طفلاً يلهو ويمرح أمامك مثلما كان هو يفعل أو ... أو ... ، هذا يذبحُ في النفس بقسوةٍ ، وهو واحدٌ وحسب ، فما بالنا بثلاثةٍ ! والأنكىٰ على الأسرة أنّ الأب نفسه يمتطي صهوة الشّهادة ! هنا يعجزُ المرء عن أن يتخيّل هذا ولاشك .
* أمام مخيّلتي يتهادى ملمحاً أسطورياً للإستبسال ، وتتزاحم في ذهني التّعابير ، أو كيفية إستيعاب أن تجترح أسرة ما ملحمة بهذه الشّاكلة ، هي صورة دراماتيكية للبذل إن جاز التّعبير ، بل وتفوق التّصور والإستيعاب .
* هنا يَحضرني بقوةٍ ملمح الأمٌ الثكلىٰ في بنيّها وبعلها ، أتحدّثُ هنا عن أمي وأختي خنساء الضالع والجنوب ، وأحاول أن أستحضر ثرمومتراً يمكنهُ تحمٌل قياس حجم ومستوىٰ الألم الذي يقعُ على كاهلِ ٱدمي كهذه الحالة ، والقياس هنا مُهول وكارثي ، وأشعرُ أنّه لاقدرة لإنسانٍ طبيعي على إحتماله والتعايش معه ، لذلك أُهوّمُ مع تباريح الحزن والألم الثقيل الذي يلفٌ جَنَبات بيت الشّهيد الشوبجي وحوله ، وحتى في نواحي قريته .
* هنا ايضاً تتجلّىٰ دلالات ورمزية التّضحية بالروح لأجل غايةٍ هي نبيلة ولاشك ، ويتجسّدُ المعنى الكبير والسّامي للذّوذ بالروح عن الدين والأرض والعرض ، لذلك تقاطرَ أولاد الشهيد الشوبحي تِباعاً ، وتبعهم الأب ! وعلى الرغم من كهولتهِ وعيائه وإنهاكه الكبير لفقدان بنيه الثلاثة الشباب ، فعلاً تتجسّدُ هنا المعاني والدّلالات السامية في أرقى صورها للإيمان الرّاسخ بالغاية ، وهي الذّوذ والحفاظ على أرض الضالع والجنوب من دنس الحوثي ومَن يدعمه ، وايضاً من يتٱمر معه وهو في الظّاهر يتَصنّع قتاله زوراً .
* بهذا الصّدد تتعرّى السلطة الشّرعية ، ويمكن معها التّحالف ، فهؤلاء يَتَكشّفون تماماً من ٱخر ورقة توت تغطّي عورتهم في الحرب في جبهة الضالع ، فهم لم يدعموها ، والمقاتلين هناك يقاتلون بأسلحتهم الشّخصية ، ومعها ماأكتسبوه من الجبهات ، حتى طيران التحالف لايحلق هناك ، وكأنّ هذه الجبهة لاتخصٌ الشّرعية مطلقاً ، وفي جبهة مأرب ، وفي يومين حرب ، يتواجد الطيران هناك بكثافةٍ ! هذا يُفسّر الكثير والكثير ولاشكّ .
* أخي وأبي الشهيد الباسل الشوبجي ، وأخوتي الشهداء الفهود البواسل أنور وشلّال ومازن ، ناموا قريري العين في أحضان وثُرى جنوبنا الطّاهر ، وملحمة إستشهادكم الأسطوريّة تهزٌ بَدن كل جنوبي حرٌ وأصيل ، وهي تحفرُ لنفسها في جدران ذاكرة جنوبنا معلماً لايمحوهُ الدّهر ، وستظلٌ درساً لأجيالنا الجنوبية في التّضحية ، وفي الوقت عينه هي درسٌ لخصوم جنوبنا ، ومفادهُ بأنّ في جنوبنا رجالاً لايهابون الموت ولايحسبون له حساباً ، أليس كذلك ؟!