الهجمات الحوثية على السعودية.. مفخخات تنسف جهود السلام
في الوقت الذي يبذل فيه المجتمع الدولي وقواه الفاعلة وعدة أطراف إقليمية، جهودًا مضنية من أجل إحلال السلام في اليمن، فإن المليشيات الحوثية لا تزال تزرع ألغامها التي تفشِل هذه الجهود السياسية التي تستهدف وضع حد لحرب طال أمدها وخلّفت أزمة إنسانية هي الأشد بشاعة على مستوى العالم.
وفي رسالة للمجتمع الدولي بأنها غير جادة في المضي قدمًا نحو مسار السلام، أقدمت المليشيات الحوثية على تكثيف هجماتها الإرهابية على المملكة العربية السعودية عبر استهداف أعيان مدنية، وهي هجمات دأبت المليشيات على محاولة تنفيذها على مدار الفترات الماضية.
فأمس الاثنين، أعلن التحالف العربي اعتراض طائرة مسيرة مفخخة أطلقتها المليشيات الحوثية الإرهابية باتجاه مدينة خميس مشيط السعودية.
وقال بيان صادر عن التحالف العربي، إن الدفاعات الجوية تمكنت من اعتراض وتدمير طائرة دون طيار مفخخة أطلقتها المليشيات الحوثية الإرهابية تجاه خميس مشيط".
وفيما أعلن التحالف إحباط كافة محاولات المليشيات الحوثية العدائية تجاه المدنيين والأعيان المدنية، فقد أعلن في الوقت نفسه اتخاذ الإجراءات العملياتية لحماية المدنيين والأعيان المدنية من الهجمات العدائية.
محاولة الهجوم الحوثية على خميس مشيط جاءت بعد يوم واحد من تصعيد مماثل، استهدف منطقة عسير، إذ أعلنت مديرية الدفاع المدني هناك سقوط طائرة مفخخة من دون طيار أطلقتها ميليشيا الحوثي الإرهابية فوق مدرسة.
وصرح نائب المتحدث الإعلامي للمديرية النقيب مهندس عبد العزيز آل جلبان بأنّ الدفاع المدني تلقى بلاغًا عن سقوط مقذوف أطلقته عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، من داخل الأراضي اليمنية تجاه إحدى محافظات منطقة عسير.
وأضاف أنه تبين من خلال فحص ومباشرة الجهات المختصة للموقع، فقد اتضح أنها طائرة مفخخة من دون طيار، وقعت على مدرسة دون حدوث أي إصابات، لافتًا إلى تنفيذ الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحوادث.
وفيما دأبت المليشيات الحوثية على إطلاق مثل هذه المحاولات الإرهابية لاستهداف الأمن السعودي وتعريض استقرار المملكة للخطر الشديد، فقد استعرت حدة هذه الهجمات، في إشارة من المليشيات برغبتها في إحداث مزيد من التصعيد على الأرض.
وعلى مدار شهر مضى، تمكنت مقاتلات التحالف العربي من تدمير ثماني طائرات مسيرة مفخخة وأربع زوارق مفخخة ولغم بحري، لتنضم هذه الأرقام إلى حصيلة كان قد أعلنها التحالف في العاشر من مايو الماضي، عندما أفاد بأن الانتهاكات الحوثية في هذا الصدد بلغت إطلاق 369 صاروخا باليستيًّا و626 طائرة مسيرة، و68 زورقًا مفخخًا، مع زراعة 204 ألغام بحرية.
كما أن التصعيد الحوثي ضد السعودية قوبل بموجات إدانة متصاعدة، إذ عبرت دول الإمارات ومصر والبحرين والأردن والكويت وباكستان وفرنسا، بالإضافة إلى منظمات التعاون الخليجي والتعاون الإسلامي والمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر والبرلمان العربي، عن إدانتها لمثل هذه الهجمات الحوثية التي تهدد المدنيين بشكل مباشر، بالإضافة إلى كونها تعرقل جهود تحقيق السلام.
تزايد الإدانة الدولية ضد الحوثيين جاء باعتبار أن هذا التصعيد الحوثي ينذر بإفشال أي جهود ترمي إلى تحقيق السلام في المرحلة المقبلة، لا سيّما بالتزامن مع جهود سلطنة عمان التي أرسلت وفدًا إلى صنعاء، والتقى قيادات حوثية.
ومن الواضح، فإن المليشيات الحوثية ربما لم ترتدع من التحذيرات الأوروبية والأمريكية التي نقلها الوفد العماني الذي التقى زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي في صعدة والقيادي البارز مهدي المشاط في صنعاء، حول عواقب استمرار المليشيات في رفض مقترحات وقف إطلاق النار ومواصلة التصعيد العسكري ضد السعودية واستمرار الهجمات على مأرب.
هذا التطور جاء بعد أن ألقى التحالف العربي الكرة في ملعب الحوثيين، في رسالة شديدة الوضوح وردت في بيان أصدره التحالف لنفي صلته بانفجارات هزّت محافظة صنعاء قبل أيام، إذ أعلن التحالف في بيانه أنه لا ينفذ عمليات عسكرية بغية إفساح المجال أمام حدوث التهدئة والتالي التوصل إلى حل سياسي.
في المقابل، فإن التصعيد الحوثي يبعث برسالة أخرى للتحالف العربي بأنّ المليشيات تصر على التصعيد العسكري، وهو يعني رفض جهود التهدئة وإحداث اختراق في جدار الأزمة في الفترة المقبلة.
وفيما لا تبدو وتيرة النغمة الدبلوماسية من قِبل المجتمع الدولية مناسبة لمدى الإصرار الحوثي على التصعيد العسكري على الأرض، فإن المرحلة المقبلة ربما تكون في حاجة لتوسيع دائرة الخيارات التي ينفذها المجتمع الدولي عملًا على تأسيس أرضية ملزمة للحوثيين دفعًا نحو الحل السياسي.
وما يُرجِّح أن تشهد الأمور مزيدًا من هذا الزخم، هو الاتهامات التي وُجهت للحوثيين بشكل صريح وتحمل تحميلًا صريحًا واضحًا للمليشيات بمسؤولية عرقلة جهود الحل السياسي.
ففي الوقت الذي أدانت فيه الولايات المتحدة الهجوم الحوثي على المدرسة بمنطقة عسير وتأكيدها أنه يعرض حياة المدنيين للخطر ودعوتها للمليشيات للالتزام بوقف إطلاق النار، فقد كانت اللهجة أكثر قسوة بعد "المجزرة" التي ارتكبتها المليشيات بالهجوم على محطة وقود بمحافظة مأرب بصاروخ بالستي.
وقالت القائم بأعمال السفير الأمريكي كاثي ويستلي إن بلادها تشعر بالصدمة المروعة من استخدام الحوثيين صاروخا باليستيا لتدمير محطة الوقود في مأرب الأمر الذي تسبب في قتل وجرح مدنيين، ومهاجمة طاقم سيارة كانت قادمة لإسعاف الجرحى بطائرة بدون طيار.
وفيما حثت الدبلوماسية الأمريكية على إنهاء ما وصفته بـ"العنف اللاإنساني"، فقد دعت كذلك مليشيا الحوثي إلى الموافقة على وقف فوري لإطلاق النار والعمل من أجل إحلال السلام.
في سياق متصل، قالت وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى إن الهجمات على المدنيين، بمن فيهم أطفال المدارس بطائرات "الدرون" من دون طيار، تؤدي إلى إلحاق الضرر بالأهالي.
وأكدت الخارجية، إدانتها بشدة هجوم الحوثيين بطائرات بدون طيار على مدرسة في منطقة عسير بجنوب السعودية، التي ألحقت أضرارا على المدنيين، وأَضافت: "ننضم إلى الدول الأخرى في إدانة الهجوم، وندعو الحوثيين إلى الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار".
على الصعيد السياسي أيضًا، تتجه الولايات المتحدة نحو تشكيل مزيد من الضغط على الحوثيين، وقد تم الإعلان عن ذلك على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي صرح بأنّ بلاده ستواصل الضغط على الحوثيين لقبول وقف إطلاق النار والمشاركة في مفاوضات حقيقية لحل الصراع.
تصريح الوزير الأمريكي جاء بعيد قرار وزارة خزانة بلاده بفرض عقوبات على شبكة من الشركات الوهمية والوسطاء الذين يدعمون الحوثيين بالتنسيق مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وذلك من خلال تسهيل عمليات نقل أموال تقدر بملايين الدولارات إلى المليشيات الإرهابية.
في إطار الجهود السياسية أيضًا، عقد المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينج، سلسلة اجتماعات في محاولة لإيجاد مخرج وحل سياسي وإنساني ينهي الأزمة، وذلك مع عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي والمنظمات الإغاثية الدولية.