اجتماعات الرياض.. الانتقالي يضع القضية الجنوبية على طاولة القوى الدولية
حراك دبلوماسي مهم ينخرط فيه المجلس الانتقالي الجنوبي، في مرحلة تُوصف بأنها فارقة، في ظل عديد التحديات التي تواجه القضية الجنوبية على مختلف الأصعدة سواء أمنيًّا أو سياسيًّا أو معيشيًّا.
وتحول الوفد الجنوبي المتواجد في الرياض للمشاركة في اجتماعات استكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض، إلى خلية عمل لا تتوقف، عبر لقاءات بارزة ومهم، تحمل أهمية دبلوماسية لصالح القضية الجنوبية، تستهدف حفظ حقوق الجنوب بما يراعي تطلعات شعبه.
ففي هذا الإطار، استقبل الدكتور ناصر الخُبجي عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس وحدة شؤون المفاوضات، في العاصمة السعودية الرياض، كريستوفر دويتش نائب القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن.
الكثير من الملفات كانت حاضرة على طاولة الاجتماع، تخلصت جميعها فيما يخص العمل على وضع المجتمع الدولي وقواه الفاعلة أمام الحقائق الفعلية القائمة على الأرض، لا سيّما دور الجنوب في مكافحة الإرهاب، والدور الذي لعبته الشرعية الإخوانية في تغذية الإرهاب ضد الجنوب من جديد، منذ عدوان أغسطس 2019.
ففي الاجتماع الذي حضره ناصر حويدر عضو الوفد التفاوضي لتنفيذ اتفاق الرياض، وأنيس الشرفي عضو ومقرر وحدة شؤون المفاوضات، استعرض الدكتور الخُبجي جهود المجلس الانتقالي الجنوبي والتجربة الرائدة للقوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب، لا سيما جهود النخبة في محافظة شبوة التي سطّرت نموذجاً متميزاً وحققت نجاحات مرموقة.
وأبلغ الخبجي، الدبلوماسي الأمريكي بأن الحرب التي شنت على محافظة شبوه ونخبتها في أغسطس 2019 خلفت وضعًا كارثيًّا أدى إلى إعادة تغلغل وانتشار الجماعات الإرهابية وتوسيع نشاطها بشكل ملحوظ.
وأكد المسؤول الجنوبي، أن القوات المسلحة الجنوبية أصبحت هدفًا رئيسيًّا لهذه الجماعات بدعم وتيسير من قوى سياسية معروفة، داعيًّا الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى دعم القوات الجنوبية لمكافحة الإرهاب وإيقاف نزيف الدم الذي يطال أبناء الجنوب نتيجة العمليات الإرهابية الغادرة التي تستهدفه بشكل شبه يومي.
التطورات السياسية كانت حاضرة بقوة أيضًا في هذه المباحثات المهمة، إذ أكد الخُبجي أنّ أي جهود أو تحركات لا تستوعب أبعاد الصراع والقوى والقضايا بجذورها ومسبباتها التي تعود في الأصل إلى بداية التسعينيات منذ الانقلاب على الوحدة واستباحة الجنوب واحتلاله، لن تقود سوى إلى مزيد من الصراع والحروب، مشددًا على حق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته المستقلة باعتباره حق كفلته وأقرته القوانين والتشريعات الدولية.
وشدد الخُبجي على ضرورة مشاركة المجلس الانتقالي في كل المشاورات الجارية للتهيئة لعملية سياسية شاملة تستوعب كل الأطراف الفاعلة في الميدان التي برزت بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015م.
وأهاب بالجانب الأمريكي إصلاح ذلك الاختلال الذي أحدثه تغييب القضايا والقوى الرئيسية وفي طليعتها قضية شعب الجنوب وممثلها المجلس الانتقالي الجنوبي عن طاولة المفاوضات، مشيرًا إلى أنّ هذا الأمر يعد أحد أهم أسباب إطالة أمد الصراع، منوهاً بأنه في حال تغييب حضور الانتقالي في تلك المشاورات فلن يكون ملزماً بتنفيذ نتائجها.
في الوقت نفسه، أشاد الخُبجي بالدور الفعال والجهود الكبيرة التي تبذلها دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ اتفاق الرياض وخدمة استقرار وتنمية المحافظات المحررة ومكافحة الإرهاب والتطرف وحماية المصالح المشتركة، وحشد الجهود والإمكانيات لمواجهة المد الحوثي الإيراني ومجابهة التحديات والمخاطر المعادية التي تحيكها قوى محلية مدعومة من أطراف إقليمية تستهدف أمن واستقرار الجنوب والمنطقة بأسرها.
من جانبه، أكد كريستوفر دويتش أن الولايات المتحدة الأمريكية وعبر مبعوثها الخاص ثيم ليندركينج تولي ملف الأزمة في اليمن أهمية خاصة، داعيًا جميع الأطراف إلى التعاون البناء والجاد لإنهاء الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة تستوعب جميع القضايا والقوى الفاعلة على الأرض.
وتشير جهود الانتقالي الدبلوماسية إلى أن الاستراتيجية التي يتم الاعتماد عليه تتمثل في مخاطبة القوى الدولية، لإيضاح الحقائق جلية وإظهار ما يتعرض له الجنوب من حرب شعواء من قِبل الشرعية التي تحاول مصادرة حق الجنوبيين في التحرك نحو استعادة دولتهم.
فقبل أيام أيضًا، استقبل الدكتور الخُبجي فلاديمير ديدوشكين سفير جمهورية روسيا الاتحادية لدى اليمن، حيث أكد مواقف وسياسة ونهج المجلس الانتقالي الجنوبي والمتمثلة بالتمسك باتفاق الرياض وضرورة استكمال تنفيذ بنوده كافة من دون انتقائية.
وشدد على ضرورة مراعاة الأولويات التي تستلزم عودة الحكومة إلى العاصمة عدن والاضطلاع بمهامها في تخفيف وطأة معاناة المواطنين وملامسة همومهم وتلبية احتياجاتهم، وتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي كأولوية قصوى تستوجب العمل عليها في ظل الأوضاع الإنسانية المأساوية.
وأشاد الخُبجي بالجهود المتفانية التي تبذلها قيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة لمواجهة التحديات والمخاطر المعادية وتنفيذ اتفاق الرياض وإحلال السلام ودعم الاقتصاد والخدمات ومشاريع التنمية.
وأكد الخُبجي المكانة التي تتبوأها جمهورية روسيا الاتحادية وأدوارها الريادية لحلحلة الأزمات التي تواجهها المنطقة، معرجاً على العلاقات التاريخية التي تجمع الجنوب بدولة روسيا، والتي ساهمت في تخريج آلاف الكوادر العلمية الجنوبية الذين يضطلعون اليوم بمهام ومسؤوليات كبرى في مختلف المجالات، آملاً أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من التعاون والتنسيق المشترك لما فيه خدمة المصالح المشتركة والسلام والأمن في المنطقة.
وأشار إلى أن الجهود الجارية لإيقاف الحرب وبدء عملية سياسية شاملة لا تزال تفتقر إلى الواقعية والجدية إذ تتعمد بعض الأطراف تجاهل القضايا المحورية التي يستوجب أن تكون في صدارة اهتمامها، وفي طليعتها قضية شعب الجنوب وممثله المفوّض المتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي.
وأكد أن المجلس الانتقالي وبرغم دعمه الكامل لكافة الجهود الهادفة إلى وقف الحرب ومعالجة الأزمات المتناسلة في الجنوب واليمن، فإنه لن يسمح بتمرير أي مشاريع سياسية تتجاوز حقيقة وواقع تطلعات شعب الجنوب وقضيته الوطنية.
من جانبه، أكد السفير الروسي دعم بلاده الكامل لجهود تنفيذ اتفاق الرياض والتهيئة للعملية السياسية الشاملة وبما يفضي إلى استيعاب طاولة المفاوضات لكافة القضايا والأطراف الفاعلة على الأرض.
والأربعاء الماضي، استقبل وفد المجلس الانتقالي الجنوبي المفاوض برئاسة الخُبجي، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى اليمن كانج يونج، حيث تم استعراض جهود المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ اتفاق الرياض، مؤكدًا تمسك المجلس بتنفيذ جميع بنود الاتفاق دون انتقائية، على الوجه الذي يهيئ الأرضية الملائمة للعملية السياسية الشاملة، ويحقق الأمن والاستقرار في الجنوب واليمن والمنطقة.
وتطرق الخُبجي إلى الدور المحوري والجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ الاتفاق وإحلال السلام والاستقرار، مشيداً بالجهود المرموقة التي تقودها المملكة، والمبادرات المتتابعة لتذليل أي عراقيل تواجه العملية السياسية الشاملة، وجهود وإحلال السلام وإنهاء أزمات الصراع المتتالية التي يعيشها الجنوب واليمن منذ ثلاثة عقود.
وأشار الخُبجي إلى القوى العابثة التي تستنفذ جهودها، لإفشال جهود تنفيذ الاتفاق وإغراق الجنوب في مستنقع الصراعات والأزمات، تستخدم أيضا سياسة العقاب الجماعي الممنهج ضد شعب الجنوب بهدف ثنيه عن مطالبه وتطلعاته المشروعة باستعادة وبناء دولته الجنوبية المستقلة.
أثنى الخُبجي على جميع الجهود الدولية الجارية عبر مؤسسات الأمم المتحدة لإيقاف الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة، بما في ذلك الدور الصيني من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، منوهاً بأن قضية الجنوب تُمثّل جوهر الصراع القائم وأن جميع الحروب والصراعات القائمة ما هي إلا تفاعلات ناجمة عن السبب الرئيس المتمثل في احتلال الجنوب واختلال موازين القوى منذ حرب صيف العام 1994م.
وشدد الخُبجي على أن أي عملية سلام ستظل قاصرة ما لم تنطلق من أساس الصراع، وتضع القضايا المحورية، وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب في صدارة اهتمامها، وتتعامل مع القوى الفاعلة ذات الحضور الفعلي على الأرض، والتي يرتضيها الشعب ويدعمها لتمثيله وتحقيق تطلعاته.
من جانبه أكد السفير الصيني، دعم بلاده لجهود السلام الراهنة بقيادة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، إضافة إلى دعمهم الكامل لجهود المملكة العربية السعودية لاستكمال تنفيذ اتفاق الرياض، معبراً عن تقدير بلاده للتجاوب الإيجابي والتعامل البناء من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ الاتفاق وإيقاف إطلاق النار وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
وإلى جانب هذه اللقاءات، فقد عقد أعضاء الوفد غيرها من الاجتماعات مع ممثلي قوى دولية وأطراف إقليمية، شهدت جميعها التأكيد على دور القوات المسلحة الجنوبية في حفظ الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وتمسك المجلس الانتقالي بحق إشراك الجنوب في أي عملية تفاوضية سياسية تراعي تطلعات الشعب الجنوبي العازم على استعادة دولته.
وتحمل مثل هذه الجهود أهمية كبيرة فيما يخص العمل على محاولات الشرعية المتواصلة لتهميش قضية الجنوب، وتصوير الأمر بأن اتفاق الرياض انتهى بتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أنه يتضمن حق إشراك الجنوب وممثله الشرعي "المجلس الانتقالي الجنوبي" في أي مفاوضات الحل السياسي الشامل.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الشرعية على تهميش القضية الجنوبية على هذا النحو، فهي تدفع نحو تسريع وتيرة إمكانية عقد اتفاق مع الحوثيين، يلبي مصالح الطرفين، مع تجاهل القضية الجنوبية بشكل كامل، باعتبار أن معاداة الجنوب تمثل قاسمًا مشتركًا للجانبين.