حفلة الكذب الكبيرة
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
منذ أن أسقط الشعب المصري حكم «الإخوان» في ثورة الثلاثين من يونيو 2013 كانت الفرصة مواتية تماماً لفتح الملف الأخطر الذي تعايشت معه المنطقة العربية، وكان لابد من فتح الملف وقراءة محتوياته وحتى محاسبة المسؤولين عن ما تم اقترافه في حقبة ما يسمى بـ (الصحوة الإسلامية).
وقدّم ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان رؤيته الذاتية ورؤية بلاده حيال تلك الحقبة من التاريخ عندما عبّر عن عدم استعداد بلده لأن تعيش حقبةً زمنية أخرى مع تلك الأفكار باعثاً رسالة مؤكدة بأن فصلاً زمنياً قد فتحت أبوابه. ما شهدته المحاكم المصرية في تدوين شهادة محمد حسين يعقوب أحد الشهود في قضية «داعش إمبابه» يمكن اعتباره بأنه ما يستحق أكثر من مشاهدة للفصل الأخير من أكبر حفلة كذب مرت على الشعوب العربية في القرون الأخيرة.
وأكد المؤكد بأن الكل ينهل من وعاء واحد، فالشهادة الممتدة على أكثر من ساعة تختصرها مقولة حسن البنا (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين)، عندما أحاط به الأمن بعد حادثة مقتل الخازندار فأعلن براءته من مساعديه، ثم كفّرهم لينجو بنفسه تاركاً غيره يتحمل ما صنعت يداه. تحتمل شهادة مشايخ حقبة «الصحوة الإسلامية» تفسيراً لكل التبعات السياسية والاجتماعية، التي تراكمت مع صعود المد الإسلاموي المتزامن بين الثورة الخمينية في إيران واقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي في حادثتين شيعيةً وسُنيةً غيّرت معالمَ الشرق الأوسط ثم العالم. ومن اللافت أن يعقوب في شهادته أقرّ بأن المنعطف كان في عام 1978 وهي تحديداً تلك الفترة ذات التحولات الحادة التي يمكن تشبيهها بأنها زلازل عنيف غيّرت شكل التضاريس ومنحت للتيارات الفكرية المؤدلجة مجالاً واسعاً عمل على تسميم المجتمعات باحتكاره الدين والفكر.
الظرفية الزمنية واللحظية باغتت المنطقة بأسرها، فتعرضت لاختطاف من خلاله صنع مناخ الإرهاب ومعارضة مدنية الدولة، بل اضطهاد مفهوم الدولة الوطنية، ومن استغلال ذلك المناخ جيء بمنهج تقديس التراث، وباتت أقوال شخصيات في التاريخ الإسلامي، هي أدلة وبراهين توظف لتمرير فتاوى على حساب آيات قرآنية، إضافة لاسقاطات زمانية ليس لها من تماثل بمقدار إخضاع مقولات وحوادث تاريخية لتحقيق مكاسب وظيفية لجماعة اعتقدت أنها وصية على الناس في الظرفية الاستثنائية، التي غيب فيها العقل الجمعي وحتى الفردي.
صناعة «الداعشي» لم تأتِ من العدم، بل منظومة متكاملة عملت بدايةً على تحقير المجتمعات العربية باستدعاء الفكرة المسمومة التي زرعها سيد قطب بأن المجتمعات العربية تعيش في الجاهلية، وهذا يعني أنها تعيش انحلالاً أخلاقياً وعدمية دينية، وأن فئة مخصصة لها هيئتها وشكلها تمتلك وحدها المعارف الدينية بل تمتلك الاتصال برب الناس، أو على الأقل أنها تعرف طريق الاتصال بالخالق، وأن على العباد انتهاج منهج هذه الفئة للرشاد والخلاص من الذنوب التي تفنن المتأسلمون السُنة والشيعة في توزيعها على كل تفاصيل الناس، الذين وجدوا أنفسهم محبوسين في ذنوب لم يرتكبوها. سنوات طويلة تعاقبت و«الصحويون» يمتلكون زمام المجتمعات العربية كانوا فيها جسراً لأفكار «الإخوان» و«الخمينيين» باحتكارهم السلطة الدينية، حتى صعد البغدادي على المنبر، وأعلن دولته المزعومة فعم القتل وسفك الدم وازدهر بيع الجواري، وكأن الزمن استدار بدلاً من أن يتقدم.
وشهادة الزور التي أدلى بها حسين يعقوب ليست سوى مشهد من مشاهد حفلة الكذب الكبيرة التي دارت وتدور من سنوات دون حد فاصل لتلك الحفلة الحافلة بالكذب والخداع والتضليل. فلقد تلبسوا بالملابس التنكرية، واختطفوا الناس والمجتمعات، ثم ظهروا بلا حياء في المحكمة ليكذبوا، وهم تحت اليمين المغلظة فهذه هي حفلة الكذب الكبيرة.