نخاسون وحشاشون .. وهي حضرموت


لا يمكن استيعاب مفهوم تصغير حضرموت واعتبارها ملحق من الملاحق الهامشية هذا ما يحاول المأزومين دائماً توظيفه بطريقة تبدو سخيفة ولا تليق بالمقام الحضرمي الرفيع، حضرموت لم تكن هامشاً سياسياً بل هي المؤثر والفاعل في السياقات الوطنية منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وبداية تشكيلات الدول الوطنية في العالم، ففي عاصمة السلطنة الكثيرية ولدت بدايات الحركة الوطنية التحررية على يد عمر سالم باعباد الذي كتب بيده أول ميثاق وطني في جزيرة العرب بعدما انتقل إلى عاصمة السلطنة القعيطية واستمر حتى اشرف على المؤتمر الشعبي الأول ليجسد المشروع السياسي الرائد في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي.

البذرة الوطنية دفنت في صدور حضارمة أفذاذ صنعوا التاريخ كما يجب أن يصنع وكما يليق بالحضرمي أن يفعل، انتقلت البذرة باعباد إلى شيخان الحبشي الذي كان للتو قادماً من اندونيسيا بعد سنوات قضاها في بغداد فاحتمل البذرة الوطنية وكأنها وديعة مقدسة من ودائع الحضارمة الذين كتبوا الخط المسند الاول في لوح من الالواح الباقية في الشحر من عهد نبي الله هود عليه السلام.

كان على عدن انتظار وصول شيخان الحبشي ليبدأ مع رفيقه محمد علي الجفري الدفع بالحركة الوطنية تحت شعار (اتحاد الجنوب العربي) كأول إطار سياسي وطني مستقل في شبة الجزيرة العربية، الحركة الوطنية جاءت من حضرموت فهي مهد الوطن وفكرته وعبقريته، وخاض الاحرار في مسار تحرير الوطن بما يمتلكون من الإيمان والأصرار على انجاز المهمة المعقدة فلم يعرف الشرق الأوسط حركة وطنية تنويرية كحركة الجنوب التي كانت تستهدف تكوين الاتحاد الجنوبي من السلطنات والمشيخات وتحويلها لوطن جامع تحت نظام فيدرالي في وقت لم تكن بعد قد قامت دول في صحراء العرب.

انتزعت الحركة الوطنية وثيقة الاستقلال الوطني من بريطانيا العظمى واعلن الاستقلال مبكراً عن موعده ولكنه كان استقلالاً وطنياً كاملاً بالرؤية الحضرمية التي بدأها باعباد وتلقفها شيخان واحتظنها علي سالم البيض وعبدالله باذيب وحيدر العطاس فهؤلاء حضارمة آخرين احتملوا الحركة الوطنية الجنوبية مؤثرين ومتأثرين، خاض الجنوب مساراً سياسياً امتد من ١٩٦٧ وحتى ١٩٩٠ كحقبة زمنية كان للحضارم تأثيرهم البالغ فيها فلم يكونوا هامشاً ولم نكن حضرموت هامشية في سنوات خضعت فيه الكتلة الجنوبية تحت صراع الحرب الباردة التي انتهت بارتدادت لم يكن الجنوب بعيد عنها ولم يكن الحضارم ايضاً بعيدين عنها.

في صيف العام ١٩٩٤ اغتيلت المكلا واختطفت عدن وسقط الجنوب محتلاً من اليمن وكان على الحضارمة استعادة المهمة الوطنية التحررية فكانت الانتفاضة المكلاوية شرارة النضال الجنوبي لاستعادة الوطن المفقود، بن همام وبارجاش اول شهداء الحراك الجنوبي، احتمل حسن باعوم المهمة الأولى لتتوسع انشطة النضال الوطني في استحقاق كان الحضرميين يدركون تماماً مقدار صعوبته وخطورته ولكنهم تقدموا خطوة بعد خطوة حتى رفع العلم الجنوبي لأول مرة في عدن معلناً أن حركة وطنية تحررية متصلة من البلاد الحضرمية بلغت اشدها في عدن ليأتي العام ٢٠٠٧ وتنعطف الحركة انعطافة التاريخ ويستعيد الجنوب قوامه في سبيل نيل استقلاله الوطني الثاني.

في سياقات هذا الوطن الحضارمة لا يغيبون ولا يتغيبون بل هم الصانعون للمشهد والكاتبون للتاريخ الوطني تكفل خالد بحاح بكتابة الفصل الأول من الاستحقاق وانجز مهمة تحرير عدن والمكلا ثم جاء الدور على حضارمة آخرين من آل بن بريك والبحسني وهدى العطاس وسعيد الجريري ليواصلوا كتابة المشاهد التالية من مسار ممتد لحركة وطنية مشدودة إلى تلك العقيدة الوطنية التي بذرها عمر سالم باعباد.

تصغير حضرموت من قبل ايتام الأحزاب اليمنية اكانت حزب المؤتمر الشعبي العام او الاصلاح او غيرها من سقط المتاع لن تمر ولا يجب أن تمر فالعصبة وغيرها من تكوينات زرعها المحتل تحاول تصغير الحضرمي واهانته وهزيمته معنوياً، الحضارمة لهم تجربة سياسية عظيمة شكلت هذا الجنوب من عدن إلى المهرة لم يكن الحضارمة لاعبين هامشين بل كانوا رؤوس الحربة وقلوب الدفاع الأكثر شدة وقوة في الحركة الوطنية الجنوبية في قرن من التاريخ لن يختطفه او يزوره حشاشين ونخاسين بلداء.