هبة حضرموت تترجم يقظة شعب الجنوب
رأي المشهد العربي
مازالت هبة حضرموت التي اندلعت قبل أسبوع تقريبًا تحافظ على زخمها بل أن الحاصل على الأرض يشير إلى أنها تأخذ في التمدد والانتشار، وهناك تطورات شعبية تطفو على الأرض بشكل يومي ما يجعل هناك صعوبة في حصارها والتعامل معها من جانب مليشيات الشرعية الإخوانية التي تيقنت من يقظة شعب الجنوب بالرغم من الانتهاكات والحروب العديدة التي شنتها ضدهم وهدفت إلى إضعاف القوة الشعبية الفاعلة.
بالأمس أعربت قبائل الدين في ساحل حضرموت عن تأييدها "الهبة الحضرمية الثانية" ودعت لحماية ثروة حضرموت ومواردها المنهوبة من أبنائها وبدا من الواضح أنها تستنفر قواها للمشاركة في الحراك الشعبي، وقبلها احتشدت جماهير مدينة تريم تعبيرا عن دعم اللجان الشعبية التي انتشرت في مواقع مختلفة، وتبدو الأوضاع منفتحة على كافة الاحتمالات وليس من المستبعد أن تتحول الهبة الشعبية إلى ثورة جنوبية متكاملة الأركان ضد الاحتلال اليمني.
هناك جملة من العوامل التي تجعل يقظة الجنوب حاضرة بشكل مستمر بالرغم من الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، على رأسها تمسك أبناء الجنوب بهويتهم وعدم قدرة الاحتلال اليمني على اختراق عقول أبناء الجنوب، وهو أمر تحقق من خلال اهتمام الجنوب بالمحطات التاريخية المهمة التي مر بها وإعادة التذكير بها، ورسخ المجلس الانتقالي الجنوبي هذا التقليد عبر الاحتفالات التي ينظمها مع كل مناسبة وطنية، الأمر الذي يتجاوب معه كثير من المواطنين الذين أضحوا أكثر إدراكا بقضيتهم العادلة.
وكذلك فإن الشرعية الإخوانية فشلت في أن تُحدث تغييرا في التركيبة الديموغرافية لمحافظات الجنوب، وبالرغم من أن مساعيها تضاعفت خلال الفترة الأخيرة، إلا أنها تواجه بغضب شعبي مستمر، وتبقى محاولاتها مفضوحة أمام الجميع، وتعد الجرأة التي تعامل بها المجلس الانتقالي مع عمليات النزوح السياسي بعد أن حاولت الشرعية إضفاء أبعاد إنسانية وهمية عليها أحد أبرز الأسباب التي قادت لفشل الشرعية في تغيير تركيبة الجنوب السكانية، هذا بالإضافة إلى القدرات الأمنية الجنوبية التي كشفت كثيرا من خلايا الشرعية النائمة.
ويشكل توالي الاحتجاجات والاعتصامات الجنوبية ضد الشرعية الإخوانية أحد الأسباب المهمة التي تدفع لتمدد "هبة حضرموت الثانية"، لأن حاجز الخوف لم يعد موجود لدى قطاعات شعبية عديدة أدركت أهمية المقاومة بشتى صورها ضد المحتل، كما أن فشل قوى الاحتلال في التعامل مع الانتفاضات المتتالية جعل هناك يقين بأن الجنوب يواجه عدوا هشًا ليس لديه القدرة على الصمود والمواجهة.
كما أن قدرة الاحتجاجات والانتفاضات على إحداث تغيير سياسي لصالح الجنوب، تحديدا بعد أن كانت المظاهرات التي دعا إليها المجلس الانتقالي قبل عامين أو أكثر سببًا في الضغط على الشرعية ودفعها للتوقيع على اتفاق الرياض، يجعل هناك قناعة بإمكانية تحقيق المزيد، في ظل عدم وجود حاضنة شعبية من الممكن أن تساند الاحتلال اليمني.