عدن وأبوظبي والقاهرة في الأمن القومي العربي

بات من الضرورات إعادة تعريف مصطلح «الأمن القومي العربي» بمقتضيات الواقع السياسي والمتغيرات الجيوسياسية التي أحدثت تحولات جذرية في عموم المنطقة العربية الممتدة من الخليج العربي للمحيط الأطلسي، فلا يمكن أن يبقى المصطلح من دون ضبط في التعريف السياسي لأهميته في الفكر السياسي العربي ولضبط الحركة السياسية واستيعابها في نطاق محددات الأمن، كضرورة من الضرورات الأساسية في حماية الدولة الوطنية العربية. دخل عملياً مصطلح «الأمن القومي العربي» بإعلان الزعيم المصري جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس عام 1956، وما تلاه من العدوان الثلاثي على مصر، وما شكلته تلك الحرب التي تحالفت فيها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من النظر إلى خريطة العالم العربي، وفتحت الباب للمرة الأولى لمقتضيات الأمن العربي وواحدية المصير المشترك، بموجب محددات المد القومي الذي شكلته الحقبة الناصرية في الذهنية والوجدان العربي. برغم أن الجامعة العربية كمؤسسة ظهرت في 1945، غير أنها لم تظهر التعريف لمصطلح الأمن لأن هدف التأسيس، ظل تحت فكرة الوحدة العربية كـ«هدف سامي» أفرزته نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية حتى وقع العدوان الثلاثي، وتم استيعاب أهمية الممرات الملاحية الدولية ومواقع الدول التي كانت خاضعة للاستعمار في عموم المنطقة العربية، المصريون شكلوا القوة التحررية الدافعة للشعوب حتى مع إعلان بريطانيا الجلاء من مستعمراتها في شرق قناة السويس. تكرست واحدية الأمن القومي العربي في حرب الاستنزاف التي انطلقت في يوليو 1967 أي بعد شهر واحد فقط من حرب النكسة، واحدية الهزيمة وظفها الخطاب القومي باتجاه الهدف الجمعي فازداد الانخراط في التعاون مع متطلبات ما خرجت منه التصادمات القوية حتى تحقق عبور الجيش المصري لقناة السويس في 1973 في عهد الرئيس السادات، مع تكامل في التعاطي مع واحدية الأمن القومي العربي بامتداد جغرافية العرب. ظل الأمن القومي العربي مفهوماً مرتبطاً بالقضية الفلسطينية بالتزام الدول الوطنية في المنظومة العربية بدعم الفلسطينيين حتى سقط جدار برلين وظهرت سياسة القطب الواحد بعد الانفراد الأميركي بالعالم، بنهاية الحرب الباردة توزع الأفغان العرب وشكلوا من جنوب اليمن نواة الإرهاب الأولى برعاية من جماعة الإخوان التي كانت تمتلك جزءاً من القرار السيادي في الدولة اليمنية، مما أسهم في نشأة تنظيم القاعدة الإرهابي. شكل الإرهاب التحدي الأخطر على الدول الوطنية العربية، نظراً لارتباطه بجماعات راديكالية تنتهج العمل السري وتتوغل في المجتمعات وتتسبب في عملية تفتيتها، وهو ما جعلها أداة وظيفية في يد قوى إقليمية وجدت في الجماعات الإسلاموية الأدوات الأكثر ضرراً على الدول الوطنية العربية. ومنذ اغتيال الرئيس السادات دخل الأمن العربي في موجة إرهابية ممتدة، ومازالت الحرب على الإرهاب أولوية الدول العربية دون تحديد الأمن القومي من الإرهاب. في يوليو 2015، حررت المقاومة الجنوبية بإسناد من القوات المسلحة الإماراتية، وضمن عمليات «التحالف» عدن، وكما كان التحول في عبور جيش مصر لقناة السويس 1973 نقطة غيرت شكل الأمن العربي كذلك حدث مع عدن عندما ظلت العاصمة العربية الوحيدة، التي نجحت فيما فشلت فيه غيرها، منذ تحررت عدن ومازال مفهوم الأمن القومي العربي هائماً ويحتاج لإعادة تعريف بمقتضيات المخاطر التي تحيط بالمدينة وتهدد الأمن العربي. عدن أحدثت المتغير لكنها تواجه خطر الإرهاب، وتقف بلا إسناد على ضفة باب المندب وساحل طويل ممتد على بحرب العرب، الذي هو الآخر ينتظر كما تنتظر عدن إعادة تعريف لواحدية الأمن العربي بعيداً عن شعارات فضفاضة واجب إسقاطها لمواجهة استحقاقات مخاطر وجودية تتربص بمكتسبات تحققت بدماء ومواقف سياسية تستدعي أن تستكمل بمنح الأمن العربي تعريفاً يرتكز على ملحمة العرب في عدن.