في الذكرى الثالثة لتحريرها.. أين عدن؟
هاني مسهور
- التعايـش مع الوحــوش
- لم تكن حفلة تنكرية
- أميركا تحتضن إيران
- الحوثيون والخمينيون.. تحالف مصالح وتباين عقائدي
ما يحدث في عدن من تجويع متعمد ومحاولة إغراقها في الفوضى التي يريدها إخوان اليمن أن تسود، لن يؤدي في نهاية كل المسارات المأزومة لما تريده تلك القوى الشيطانية.
السابع والعشرون من شهر رمضان المبارك يحمل للعرب تاريخا فارقا فلقد تحقق على أيديهم انتزاع عاصمة عربية من قبضة الإيرانيين. الرمزية والدلالة على أهمية ما حدث في الرابع عشر من يوليو 2015 بإعلان انتصار التحالف العربي في معركة عدن كان فارقا في مشاعر المؤمنين حقيقة بالمشروع العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ليس في اليمن وحدها بل في عموم المنطقة العربية، وتحاول القيادة السعودية إطفاء الحرائق التي أشعلتها إيران وتركيا في العالم العربي، لذلك يرى الكثيرون أن تحرير عدن نقطة فارقة من نقاط التاريخ العربي.
يعزز هذا المفهوم الواسع لمعنى تحرير عدن ما تشكل من تطورات سياسية وعسكرية هائلة في صنعاء التي شهدت انقلابا حوثيا على الدولة بكل مكوناتها، وكان الأمر محصورا في جزء من البلاد لولا أن الحوثيين وبفعل الاندفاع الإيراني نحو أهداف طهران الأكبر من مجرد إسقاط النظام الجمهوري، والماثلة في فرض الهيمنة الإيرانية عبر الحوثيين على الممرات المائية في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، وهذا ما سبب الاندفاع الحوثي العنيف باتجاه العاصمة الجنوبية عدن تحت حجة ملاحقتهم للرئيس عبدربه منصور هادي والحقيقة هي الرغبة الإيرانية في التحكم الكامل بمدينة عدن.
26 مارس 2015 انطلقت “عاصفة الحزم” وكان الجنوبيين المعدمين من السلاح بسبب سياسات النظام السياسي السابق يستميتون في الدفاع عما تبقى من الكرامة العربية في ما يرونه ويؤمنون به في مدينتهم عدن، وتشكلت سريعا اللجان الشعبية والتي توحدت في المقاومة الجنوبية وكتائبها المختلفة، هرب الرئيس هادي وترك الجنوبيين يواجهون مصيرهم، وبدأت التعزيزات تصل إلى عدن من كافة المحافظات الجنوبية، حضرموت والمهرة وشبوة والضالع ولحج وأبين، بحيث كان كل الجنوب عدنيا.
في الأسابيع الأولى دبت شحنات من الثقة في الجنوبيين الذين كانوا يتبادلون نجاح الكومندوس السعودي والإماراتي من النزول المظلي في داخل عدن، وكانت الروايات تبعث في نفوس الجنوبيين قدرا هائلا من الثقة في أن التحالف العربي لم يعد يقف في ظهرهم، بل هو الآن في قلبهم ووسط مدينة عدن التي كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد اعتبرها خطا أحمر يمنع تجاوزه، وما إن تم تجاوز عدن أعلنت السعودية “عاصفة الحزم” ما عزز في المقاومة الجنوبية مبادئ المعركة وأبعادها.
عدن تعاني كما تعاني كل المدن المحررة في الجنوب من انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والصحة والتعليم بسبب فشل الحكومة في إعطاء الجنوبيين هذه الخدمات من باب المقايضة السياسية
بإشراف خالد بحاح والقائد جعفر محمد سعد أعطت قيادة التحالف العربي إشارة بدء عملية “السهم الذهبي” بعملية نوعية شاركت فيها وحدات عسكرية إماراتية، وعرفت نزولاً عسكرياً سعودياً في شوارع عدن التي كانت قد أطلقت فيها المقاومة الجنوبية أوسع عملية عسكرية بدأت من بئر أحمد، وتوسعت إلى داخل مديريات عدن وتعاملت بسرعة مع ميليشيات الحوثي وكبدتها خسائر هائلة وأجهزت عليها حتى أعلنت قيادة المقاومة الجنوبية تحرير العاصمة عدن وتوجت العملية بهبوط أول طائرة سعودية في مطار عدن يوم عيد الفطر المبارك.
كل ذلك النصر لم يترجم انتصارا لإنسان عدن، فدخلت المدينة المنتصرة في دوامة صراع إرادات. فالرئيس هادي الذي ترك المدينة تواجه مصيرها عاد ليحاول نسب الانتصار لنفسه، والجنوبيون الذين يريدون أن تكون عدن مرتكزا لاستعادة النظر في قضيتهم السياسية زادوا تمسكا خاصة بعد تحالف الرئيس هادي مع حزب التجمع اليمني للإصلاح وإقالته لنائبه خالد بحاح.
وقعت عدن في فخ الفوضى الأمنية حتى انتشلتها الإمارات بعد أن أشرفت على تشكيل الحزام الأمني الذي استطاع تجنيب المدينة الهجمات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش الإرهابي، وكان الأجدر بالرئيس هادي التعاطي بإيجابية مع التطورات ومنح الجنوبيين ما يستحقون، ولو بتنفيذ ما صدر عن مؤتمر الحوار الوطني من نقاط لمعالجة القضية الجنوبية، غير أن التصادم مع الجنوبيين وصل ذروته في أحداث مطار عدن التي أكدت حقيقة واحدة أن الشرعية باتت مختطفة بيد مجموعة مأزومة تحاول فقط افتعال الأزمات.
تعاني عدن كما تعاني كل المدن المحررة في الجنوب من انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والصحة والتعليم بسبب فشل الحكومة في إعطاء الجنوبيين هذه الخدمات من باب المقايضة السياسية، أو بالأصح تركيع الجنوبيين لإرادة طرف مأزوم يرغب في إبقاء الأزمات على حالها، رافضاً النظر إلى حقيقة أخرى هي أن الجنوبيين هم الطرف الوحيد الذي منذ انطلاق عاصفة الحزم يسجل للتحالف العربي الانتصارات بداية من عملية تحرير المخا إلى الخوخة وإلى مشارف الحديدة وحتى القوات الموجودة في صعدة هي كتائب جنوبية. إنكار هذا الواقع من قبل طرف من الأطراف لن يغير من حقيقة أن الجنوب ما قبل 2015 ليس مثل ما بعده، وأن ما يحدث في عدن من تجويع متعمد ومحاولة إغراقها في الفوضى التي يريدها إخوان اليمن أن تسود، لن يؤدي في نهاية كل المسارات المأزومة لما تريده تلك القوى الشيطانية. وستبقى شهادة السفير السعودي محمد آل جابر بعد زيارة عدن بعد أحداث يناير 2018، والتي أكد فيها أن عدن مدينة منكوبة تحتاج لإغاثة عاجلة تؤكد أن الذي يتحمل نكبة عدن والمكلا وكل شبر محرر هو عنصر مخرب لا يريد أمنا ولا سلاما، بل يريد استمرارا لأزمات يقتات منها ولو كانت على حساب حياة الملايين من المظلومين، ومع ذلك ستبقى عدن رمزية عربية انتصرت تحت رايات العرب الكبيرة وتحت لواء سلمان الحزم وآل نهيان العزم.