عن الخيارات الثلاثة
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
أثار حديث الأخ اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مقابلته مع قناة العربية-الحدث، عن الخيارات الثلاثة حول مستقبل القضية الجنوبية، أثار ضجةً واسعةً من ردود الأفعال المتباينة والمتفاوتة والمتضاربة، ولربما كانـت أسباب ردة الفعل هذه تكمن في أن الأمر يطرح لأول مرة من قبل رئيس أكبر مكون سياسي جنوبي يتمتع بحضور على الساحة السياسية والدولية وظل طوال السنوات الماضية يتمسك بالخيار الوحيد الأوحد.
اعتبر الكثير من المتفاعلين مع الموضوع أن ما طرحه الأخ رئيس المجلس يمثل تراجعاً عن الخيار الاستراتيجي الذي ضحى من أجله آلاف الشباب الجنوبيين بأرواحهم ودمائهم، بينما هللت أطراف عديدة من أنصار ومنابر 1994م معتبرةً أن هذا الموقف يمثل اعترافا من المجلس الانتقالي بوحدة 1994م وتخطئةً لكل ما ظل المجلس وقبله تشكيلات الحراك السلمي الجنوبي، ينادون به منذ العام 1994م وهو خيار استعادة الدولة الجنوبية والعودة إلى حدود ما قبل 21 مايو 1990م، وهناك مواقف أخرى تتراوح بين هذين المنظورين.
شخصيا أعتبر ما طرحه رئيس المجلس الانتقالي في حديثه إلى قناة العربية-الحدث عن الخيارات الثلاثة والتي حددها بـــ:
1. خيار العودة المباشرة إلى نظام الدولتين كما كان الوضع عليه حتى ليلة 21 مايو 1990.
2. خيار الإقليمين وفقا لحدود 1990م "وكل واحد يحكم بلاده" كما قال اللواء عيدروس.
3. بقاء الحال كما هو عليه، بمعنى بقاء الدولة الاندماجية التي تمخضت عنها اتفاقية 30 نوفمبر 1989م
أعتبره يمثل تطوراً في النهج السياسي للمجلس الانتقالي، ورأيي هذا لا يعني أنني أنحاز إلى أحد الخيارين الأخيرين أو أنني أتراجع عن تحيزي الواضح لمطلب استعادة الدولة الجنوبية الذي هو موقف الغالبية العظمى من السكان الجنوبيين، لكن التطور يتمثل في احترام حق الاختلاف بين أبناء الجنوب ومنح كل ذي موقف أو رأي حق التعبير عن نفسه مهما كانت الأقلية التي يعبر عنها وحتى لو جاء ذلك عن طريق الاستفتاء.
وأعتقد أن موقف الرئيس عيدروس ومعه كل مؤسسات المجلس الانتقالي قد جاء بعد مراجعة متأنية للخارطة السياسية الجنوبية وللتفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن، ومن منطلق الثقة بأن الشعب الجنوبي هو من يقرر خياراته المستقبلية وهو مؤهلٌ لتأدية هذه المهمة باقتدار، وحينما توجد أقلية تتحفظ على موقف المجلس الانتقالي المتمثل باستعادة دولة الجنوب فإن هذه الأقلية يجب أن تُحتَرَم ويُؤخَذ رأيها باعتباره يمثل كتلة سياسية وسكانية جنوبية لا يحق لأحد مصادرة موقفها مهما صَغُرَ حجمها.
لكن الحقيقة التي يعلمها الجميع هي إن المجلس الانتقالي لم يتراجع عن القضية الاستراتيجية في سياساته والمتمثلة بالتمسك بحتمية استعادة الدولة الجنوبية وهو خيار الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الجنوبي.
كما تكمن أهمية هذا الموقف الذي تضمنه حديث الأخ رئيس المجلس الانتقالي في فتح البوابات المغلقة أمام التباين السياسي والفكري وفتح أبواب الحوار بين أصحاب المواقف السياسية الجنوبية المتباينة ، بيد أن تسليط الضوء على مضمون هذه الخيارات الثلاثة يمكن أن يكشف لنا ماهية الفرص المتاحة أمام كلٍ منها بين أوساط الشعب الجنوبي بملايينه الستة.
• فخيار الوحدة الاندماجية قد فشل فشلاً ذريعا بمجرد اندلاع حرب 1994م التي بينت استحالة هذا النوع من الوحدة بين بلدين وشعبين مختلفين سياسياً واقتصادياً وثقافياً وديمغرافياً وجغرافياً وتاريخياً، وحتى لو لم ينتصر الطرف الشمالي في هذه الحرب البغيضة فإن الخيار الوحيد كان سيتمثل في العودة إلى نظام الدولتين بعد استحالة التعايش بين طرفي هذه الوحدة الفاشلة، وهو ما سيجري في حالة استفتاء الشعب الجنوبي بإشراف دولي وإقليمي.
• أما خيار الإقليمين فقصته تعود إلى العام 2011م وربما إلى ما قبل، حيث كان مؤتمر القاهرة للقوى السياسية الجنوبية قد طرح هذا الخيار باعتباره المخرج لأزمة العلاقة بين طرفي الوحدة في ذلك الحين، وكان هذا الخيار هو التوصية الرئيسية للمؤتمر.
وفي مؤتمر حوار صنعاء كان الحزب الاشتراكي اليمني قد تقدم بنفس الخيار إلى المؤتمر، لكن قوى النفوذ المتحكمة بسلطة صنعاء كما بسيرورة أعمال مؤتمر الحوار كانت قد مهدت لرفض هذا الخيار من خلال الهجوم على مؤتمر القاهرة وقيادته والمشاركين فيه ، ثم إشهار هراوة الاتهام بالانفصال لمبادرة الحزب الاشتراكي وجرت كلفتة التوصيات من خلال أطروحة الأقاليم الستة والتي كانت سببا في ما شهدته البلد من تداعيات توجت بالانقلاب والحرب وما أنتجته من دمار وخراب وهدر للدماء وإزهاق للأرواح وانسدادات مستعصية تسببت في انهيار حقيقي لمنظومة الدولة شمل كل مجالات الحياة.
• ونأتي لخيار الدولتين المستقلتين، وهو الخيار الذي ما يزال يواجه بالصد والعناد والمكابرة والصلافة المعهودة من قبل شركاء حرب 1994م.
إن القراءة المتأنية لمعطيات الأحداث واتجاهاتها المستقبلية تشير إلى أن خيار العودة إلى نظام الدولتين الجارتين الشقيقتين المتعاونتين والمتشاركتين في الكثير من المصالح يمكن أن يمثل الطريق الأأمن والأضمن للخروج من حالة الانسداد الذي تعيشه البلاد وقطع دابر التوترات والحروب والنزاعات المستمرة في هذا الإقليم من العالم بعيدا عن الوصاية وادعاء التميز والتفوق، فلقد عاش الشعبان في الدولتين تجربة ربع قرن من الجوار والتعايش كانت أسواء لحظات التوتر بين نظامي البلدين لا تطول أكثر من أسبوعين إلى أربعة أسابيع لتعود المياه إلى مجاريها ، مع الأخذ بالاعتبار أن العلاقة بين الدولتين كانت تتأثر بوضع الحرب الباردة والاستقطابات الإقليمية والعالمية، وهو ما لم يعد اليوم ذا تأثير يذكر.
وينبغي أن نشير هنا إلى أن إصرار عتاة 1994م على الاستقواء بفرض الخيار الذي يرونه وحدهم لم يلحق الضرر بالجنوب وأبنائه فقط، بل لقد تحول إلى لعنة ألحقت بالشعبين في الشمال والجنوب ما يعيشانه اليوم من تمزق وحروب ونزاعات وشلالات من الدماء ومقابر لم تتوقف عن استقبال الآلاف المؤلفة من الجثامين، غير الذين تتغذى على جثثهم وحوش الفلا وطيور الجو، وباختصار أن حالة الانهيار التي يعيشها القطر لم تكن لتحدث لو عولجت العلاقة بين الدولتين بطريقة تحترم أرادة الشعبين كل في إطاره التاريخي والجغرافي والثقافي والديمغرافي.
إن الإقرار بفشل تجربة الوحدة الاندماجية لا يمثل خيبة لأحد بقدرما يعبر عن شجاعة الاعتراف بالوقائع القائمة على الأرض أما العناد والمكابرة فقد جربناهما وها نحن في الشعبين نجني ما بذره المعاندون والمكابرون من بذور للفتنة والضغينة والكراهية التي ستتطلب عقودا طويلة لتزول من وعي الناس ونفسياتهم الاجتماعية.
وحتاما: إن تعدد الخيارات بقدرما يمثل موقفاً شجاعاً من قبل قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بقدر ما يتيح الفرصة للمنافسة الحرة بين ذوي الآراء المختلفة والمواقف المتباينة والاختيارات المتعددة على الساحة الجنوبية، وما ينبغي القيام به اليوم هو فتح أبواب الحوار بين جميع الجنوبيين مهما كانت مواقفهم السياسية ومهما تعددت رؤاهم وتصوراتهم عن مستقبل الجنوب.
والله أعلم