سيطلقوا الصّرخة معه ايضا

* ظلّ الإستئثار بالبلاد وثرواتها هاجساً يقض مضاجع أهل الهضبة الزيدية ، وهم دَرجوا على ذلك حتى ماقبل 26 سبتمبر 1962م ، وبعدهُ هم من طوّق عُنق ما كنوها بالثورة بقيود قبائلهم ، فهم فرضوا حصّتهم ونسبتهم الأكبر في تشكيلة هيئاتها الرئيسية والنافذة ، وبذلك أحكموا قبضتهم عليها ، وهكذا جرت الأمور في الشمال مذّاك الى ماتلاه ، بما فيه بعد وحدة جنوبنا معهم . * قرأتُ وأعدتُ القراءة مراراً لكتاب ( مجرى الصراع بين القوى الثورية والقوى اليمينية منذو قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م حتى قيام حركة 13 يونيو 1974م ) للدكتور محمد علي الشهاري ، وبإضافة إستخلاصات لبعض الأراء والقراءات لكبار السن من الشمال ، وهم عاصروا تلك الحقبة ، وحتى لكبار من جنوبيينا الذي شاركوا في فكّ حصار صنعاء ، هنا تستخلص أنه ربما قد جرى التخطيط لما يشبه ثورة فعلاً على نمط الثورات الأخرى في بلداننا العربية ، ولكن خلال ذلك وبعده مباشرة جرى وأدها سريعاً بإعادة نموذج مشابه لنفس القوى الحاكمة السابقة ، بل لنوعيات أكثر شرهاً وإستئثاراً بالبلاد ككل . * مع هذا النّمط من السلطة بعد الثورة في الشمال ، فقد تواصل ترسيخ قيم أو مايشبه ثقافة متٱصلة في صون حقوق كبار القوم من خيرات البلاد ، حتى التي ينهبونها نهباً من البلاد ومن عامة الرّعية ، بل لايجري حتى الحديث عنها في المجالس مطلقاً ، كما لاعجب أن تجد أفراداً أو جموعاً من الرعية حرّاساً بكل طواعية - ويمكن بتفاخر ايضاً - لأموال وعقارات من قبل نافذٍ ، وهكذا ترسّخت هذه القيم وصارت في حكم المألوف لديهم ! * تعود أصول مثل هذا المنهاج البائد الى عهودٍ سحيقة في التأريخ البشري ، وحيث للقبيلة وللقوى المتغولة سطوتها ونفوذها على المجتمع ، وهو مسلكٌ مفرط في الطّرافة ومدعاة للضحك بالنسبة لدويلة تتشدّق زوراً بتقمص ثوب الحداثة والعصر ، أو هكذا كان يخطب الٱفل عفاش ومن قبله وبعده ايضا ! * في المنطقة العسكرية الثانية بوادي حضرموت ، وهناك تخوم وحقول النفط الرئيسية في جنوبنا ، وكذلك في شبوة ، فقد ربضت في تلك النواحي وحدات عساكر الشمال حصراً ، وهي مفرغة و مشحونة بنفس عقيدة حماية مال السيد الكبير وحسب ، وفعلاً هناك حقول وأبار نفط مملوكة شخصياً لنافذين من الهضبة وحتى لأبنائهم ، بل الشركات العالمية العاملة هناك تتعاقد بمقاييس الإرتباط بالشيخ أو النافذ ، وحتى المكاتب والشركات الخدمية الأخرى الى جوارها ، ولذلك تظل الأرقام الحقيقية لإنتاج النفط هناك وهمية وغير دقيقة دائماً . * ذهب عفاش بالحادثة المشهورة إيّاها ، وذهب معه الأفندم الصوملي كممثل شخصي لعفاش على رأس تلك القوى هناك ، لكن القوة العسكرية الشمالية في وادي حضرموت بقيت كما هي ولنفس الغاية ، وفعلا جاء الجنرال محسن ورَكبه ، وهمُ المتحكمين الٱن بتلك القوى العسكرية المتلفعة زوراً بنفس الرداء العسكري للدولة ، ويمارسون نفس الدور القبيح ، لكن حتى لو حدث وهيمن الحوثي على الأرض ، فهم سيسربلون أيديهم عند الصلاة وسيرددون معه الصرخة إيّاها ، أي سيتحولوا الى حوثيين ! وهذا هو الشمال الذي إرتكبنا نحن أكبر غلطة في حياتنا بالوحدة معهُ ، أليس كذلك ؟!