عن «الاعتذار» الأميركي للإمارات
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
ما زال أبلغ وصف حول ما تمر به العلاقة الإماراتية الأميركية، ما جاء في تصريح معالي يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، أن العلاقة بين بلاده وواشنطن تمرّ بمرحلة «اختبار تحمّل».
هذا الوصف كما هو ملائم دبلوماسياً غير أنه كذلك يفسر التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وتأثير الدور الأميركي بعد سنوات طويلة من المد والجزر بين عواصم المنطقة والدولة الأقوى في العالم. تراجع النفوذ الأميركي هو الحقيقة التي يمكن التعاطي معها، فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 دخلت الولايات المتحدة في مراجعة لسياساتها حول الشرق الأوسط، ولدى واشنطن رغبة في الانكفاء دون استشعار بمصالحها وشراكاتها مع حلفائها الضامنين للأمن والطاقة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، فكل ما يحدث فيها يؤثر في مفاعيل الاقتصاد العالمي.
الانسحاب الأميركي المرتبك من أفغانستان يشكل علامة استفهام حول قدرات هذه الإدارة، وهو ما قد يذهب في سياق التعامل مع «الحوثي» والنظرة إليه باعتباره طرفاً سياسياً لا ينتمي لجماعات الإسلام السياسي، وهو الذي يجاهر بعدائه للولايات المتحدة، وحتى بلوغ النقطة التي فاض من بعدها الكأس، وهي هجمات مليشيات «الحوثي» على العاصمة أبوظبي في 17 يناير 2022، فلم ترتق استجابة واشنطن لمستوى توقعات كل من يعرف عمق وكبر المصالح الإستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة، الإدانة الأميركية والخطوات العملية للرد على «الحوثي» لم تتناسب والشراكات والتحالفات.
الولايات المتحدة وقعت مجدداً في فخ حسابات المصالح الخاصة دون مراعاة مصالح شركائها المهمين، وآثرت عدم الاقدام على إدراج جماعة «الحوثي» مجدداً على قوائم الإرهاب الأميركية، وتصحيح موقفها الذي اتخذته بشكل متعجل في بدايات تولي الرئيس بايدن حكم البيت الأبيض، ومع ذلك ما زالت واشنطن تقدم في مفاوضات العودة للاتفاق النووي الهدايا للجانب الإيراني دون تراجع لدور المليشيات التابعة لها في كل المنطقة العربية.
ما نشرته الصحافة الأميركية من أن أنتوني بليكن قدم لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، اعتذار بلاده عن سوء التقدير للموقف في محاولة أميركية شجاعة لاستعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها. ومع ذلك فإن الضرورة تقتضي في هذه التوقيتات الحساسة حيث تمر علاقات الشركاء بفترات اختبار صعبة، نقاشاً وحواراً يتسمان بالصراحة والمكاشفة، وتبادل لوجهات النظر، بما يسهم في تصويب الأخطاء ومراجعة المواقف لاستعادة زخم الشراكة ومنحها قوة دفع جديدة. د. أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة أشار مؤخراً في محاضرة عامة لهذه السمة من المراجعة والتقييم في استقراء الإمارات لتراجع الهيمنة الغربية، معتبراً أن المصالح وحدها هي التي يمكن النظر إليها في تقييم العلاقات السياسية واستشراف المستقبل المنظور وحتى المتوسط، هذه النمطية من المراجعة قد يراها البعض غريبة لكنها حقيقية، فلطالما تبقى المصالح المشتركة هي العامل في تحديد التوجهات مع الإمارات ذات الرؤية الاستشرافية الواضحة سياسياً مع محيطها ومع الإقليم والعالم.
المشكلة في سياسات إدارة الرئيس جو بايدن التي فقدت ثقة أكبر حلفائها، بسبب عدم الوضوح والاعتقاد أن إيران يمكن أن تتحول من دولة ثورية دينية إلى دولة ليبرالية، وعدم الإقرار بحقيقة أن جماعات الإسلام السياسي لم ولن تكون يوماً جماعات ديمقراطية تدافع عن حقوق الإنسان بمقدار ما ستستخدم كل أدوات القمع لإرهاب الإنسان وإخضاعه لتعاليمها وأفكارها، هذه هي الهوة بين إدارتي أوباما وبايدن مع السياسي الإماراتي، الذي لا يمكنه القبول بالتعاطي مع هذه الازدواجية في المعايير الأميركية المضطربة في تسويقها للديمقراطية عبر الجماعات الإسلاموية، التقييم والتقويم للعلاقات السياسية مهم ومطلوب، فلكل خلل ترميم ممكن متى ما راجعت واشنطن البايدانية أفكارها واستعادة بوصلتها نحو مصالح أميركا وحلفائها.