ما كان بين شاطر مصر وزنداني اليمن

عَرَضَ مسلسل «الاختيار» في جزئه الثالث تسريباتٍ سريةً لجماعة «الإخوان» إبان سيطرتهم على الحكم في مصر قبل أن تسقطهم الإرادة الشعبية في ثورة 30 يونيو 2013. ولعل تلك التسريبات التي نشرت للمرة الأولى حملت مضامين جديرة بالكثير من الاهتمام لما تمثله من أهداف الجماعة ليس في مصر وحدها بل في كل فروعها المنتشرة. ومن الملاحظ أن خيرت الشاطر كان يحمل مشروعاً واضحاً ببناء ما أسماه بحسب التسريبات المسجلة (الحرس الثوري)، وهو ليس نسخة من الحرس الثوري الإيراني فحسب، بل هو استدعاء لأدبيات حسن البنا، الذي كان أول من أسس (التنظيم السري)، وهو الذراع العسكري للجماعة ضمن وصايا البنا المنشورة. ما حدث من اختلالات في البنى السياسية التي تعرضت لاهتزازات ما سمي بـــ (الربيع العربي) سمح للإخوان التسلل إلى مؤسسات الدول السياسية والأمنية والاقتصادية، ذلك التسلل وإنْ فشل في المؤسسة العسكرية المصرية نظراً لعقيدة الجيش، التي تمكنت من الصمود والتصدي، غير أن انعدام العقيدة الوطنية في بلدان أخرى حقق للجماعة أهدافها، وهو ما حدث في اليمن تحديداً الذي استطاع عبدالمجيد الزنداني وهو أحد أهم رؤوس التنظيم الدولي، وواحد من الشخصيات النافذة يمنياً، من امتلاك كل المؤسسة العسكرية بعد إسقاط نظام علي عبدالله صالح. سيطرت جماعة «الإخوان» فرع اليمن على المؤسسة العسكرية والأمنية بالكامل، بعد أن أطيح بنائب الرئيس خالد بحاح في إبريل 2016 وصعود علي محسن الأحمر إلى ثاني أعلى منصب سياسي في الجمهورية اليمنية، وهو الذي أتاح لجماعة «الإخوان» استكمال السيطرة على كافة القطاعات والأجهزة العسكرية والأمنية، ما حدث كان الفرصة الاستثنائية، التي لم تحصل عليها كافة أفرع الجماعة منذ تأسيسها، فلقد نجحت أخيراً الجماعة في امتلاك جيش عقائدي يتجاوز عدد أفراده بحسب الكشوفات الرسمية المائتين ألف عنصر. منحت الجماعة كل أعضائها والمنتمين إليها رتباً عسكرية حتى المدرسين وغيرهم من الموظفين المدنيين الذين يمتلكون عضوية في حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، تمكنوا من الحصول على وظيفة في القطاع العسكري. وانقضاض الجماعة على الجهاز الأمني والعسكري هو تأكيد على عقيدة الجماعة وتنفيذهم لوصايا الكاهن الأكبر حسن البنا، وأن ما تحقق في اليمن كان جائزتهم الكبرى، وفقاً لحسابات التنظيم الدولي، الذي كان قرر أن يكون اليمن ملاذاً ممكناً بعد السقوط المدوي في مصر. فشل خيرت الشاطر في مصر بينما نجح عبدالمجيد الزنداني في اليمن، وتلك هي الحقيقة الأكثر خطورة. فلقد تم تشكيل أكبر قوى عسكرية عددياً موالية لجماعة «الإخوان» وتبسط سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض، وإنْ كانت لا تمتلك أسلحةً نوعية كالطائرات والمدفعية، غير أنها في المقابل تمتلك حصة من عتاد ما تبقى من الحرس الجمهوري، كما أنها تمتلك من ناقلات الجنود والذخائر ما يجعل من هذه القوة كتلة عسكرية خطرة لانتمائها الأيديولوجي وتقاطعها مع «الحوثيين» لاستنزاف المنطقة وإبقائها نقطة توتر مستدامة. المتغيرات السياسية بخروج الرئيس هادي من السلطة كانت أشبه بذوبان الثلج عن حقيقة ذلك الجيش التابع للمرشد العام، تفكيك جيش «الإخوان» في اليمن سيكون مهمة شاقة توازي مهمة نزع سلاح «الحوثيين»، وهو الملف المؤجل حتى ما بعد استكمال المرحلة الانتقالية. مكمن الكارثة هو أن تنظيم «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من التنظيمات الراديكالية، قد وجدت المظلة التي من خلالها ستعمل على توسيع دائرة الإرهاب في العالم. وما يجري في محافظات الجنوب من عمليات إرهابية مقدمة لما هو أكثر توحشاً. ما حققه «زنداني اليمن» يفوق ما حققه «غنوشي تونس» و«شاطر مصر»، وكل قيادات الجماعة، ففي اليمن أنجز «الإخوان» مشروعهم، فهل من مستدرك لما حدث ويحدث وسيحدث؟!