عوائق أمام التغيير الحقيقي.. اين الخلل؟
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
عند الإعلان عن قيام المجلس الرئاسي بديلا للرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، الذين قد يدخلان موسوعة جينس في تحقيق أعلى رقم قياسي على مستوى العالم في الفشل، نشأ رأيان في الوسط الإعلامي والسياسي الجنوبي (وأظنه كذلك بالنسبة للوسط الإعلامي والسياسي الشمالي)، لكننا نتحدث عن الجنوب لأنه الشعب والأرض التي سيحكمها المجلس الرئاسي وحكومة المناصفة.
الكثيرون قالوا ما يقوله الريفيون عبر المثل الشعبي "انتخ ثومة واغرس بصلي" ، وأهلنا في صنعاء يقولون "ديمه خلفنا بابها" وكنت قد قلت نفس الكلام في بعض مقابلاتي على القنوات الفضائية، وهو إن التغيير لا يمكن أن يعني شيئا إذا كان مجرد استبدال الثوم بالبصل.
لكن رأياً آخرَ كان يتضمن بعض التفاؤل الحذر منطلقا من أن المجلس الجديد يشمل قيادات شابة وأن القيادات المجربة ستكون قد تعلمت من فشل الماضي وإخفاقاته المتتالية واللانهائية والتي كانوا جزءً من صناعها.
شخصياً لم أكن من المتفائلين جداً لأنني كنت أعرف أن التيار المنتمي إلى عالم الفاشلين هو الغالب بما فيه بعض الأسماء الجديدة، وأن معظم البقية ليسوا في سن التعلم، بل لقد غادروا مرحلة الإقلاع عن العادات الرديئة، وإذا كان لدي من رهانات ضئيلة على النجاح فقد تركزت على إمكانية الدعم والضغط من قبل الأشقاء، لتحسين صورة التحالف العربي المتهم من قبل إعلام أنصار الشرعية، بأنه من يقف وراء تنصيب الفاشلين ووراء الدمار والخراب وانعدام الخدمات، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية تعويض الشعب الجنوبي الذي دفع الثمن مرتين، المرة الألى ثمن مقاومة وهزيمة الغزو والانقلاب عندما كان بعض القادة الشرعيين الجدد في صف الانقلابيين، ويسمون التحالف العربي بـ"تحالف العدوان"، والمرة الثانية معاناة حرب الخدمات والتجويع الذي مارسته شرعية المهجر، وهي الحرب التي ما تزال مستمرة حتى يوم الناس هذا.
فما الذي تغير منذ تشكيل المجلس الرئاسي كقيادة شرعية جديدة؟؟
لم يطالب الجنوبيون السلطتين السابقة ولا الحالية، بمطالب تعجيزية أو مستحيلة التحقيق، بل إنهم يطالبون بمطالب عرفها أجدادهم منذ مائة عام وظلت تقدم لهم شبه مجاناً، حتى صبيحة 21 مايو 1990م.
إنهم يطالبون بالماء النظيف والكهرباء المستمرة غير المتقطعة، والخدمة الطبية المجانية والتعليم المجاني الذي عرفوه منذ عشرات السنين والأمن القوي والعادل وتفعيل الجهاز الحكومي والقضائي وجهاز النيابة العامة، ويطالبون بمرتباتهم الشهرية التي كانوا يستلمونها يوم الثلاثين من كل شهر، حتى شهر أبريل 1990م. . فهل هذا مستحيل؟
لم تفعل حكومة معين عبد الملك شيئا من هذا طوال أكثر من سنتين، وحينما يأتي راتب موظفي مؤسسة أو هيئة حكومية أو وزارة معينة يتحول الأمر إلى خبر عاجل على صفحات الصحف والمواقع الإلاكترونية وعلى شاشات التلفزة الرسمية، وكأن الحكومة نجحت في الهبوط على سطح المشتري أو زحل، ومع ذلك فما يزال معين عبد الملك ووزراؤه يتبخترون ويتشاطحون وكأنهم أنجزوا لليمنيين المحطة النووية أو سكة الحديد اللتان وعد بهما الرئيس السابق قبل عقدين، ولم نسمع عن وزيرٍ واحدٍ عبر عن خجله من نفسه وقدم استقالته.
وحينما جاء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ابتهج الناس بقرب نهاية هذه الحكومة الأكثر بؤسا في التاريخ اليمني، لكن يبدو أن التكامل بين الفاشلين يتواصل، فلا المجلس الرئاسي غير شيئا ولا الحكومة احترمت نفسها وقدمت استقالتها، ولا البرلمان المعمر البائس نبس ببنت شفة عن معانات الجنوبيين، نقول الجنوبيين لأن الشماليين لهم حكومتهم وقيادتهم التي تتكفل بإدارة شؤونهم بأي شكل.
أين الخلل إذن؟
الخلل يدركه كل ذي عينين، أو حتى كل ذي عين واحدة، ويتلخص في أن من يحكم عدن والجنوب اليوم هم غزاة 1994م من الأشقاء الشماليين، الذين دخلوها فاتحين (لديار الكفر، بموجب الفتوى المعروفة)، واليوم عادوا إليها هاربين لكن متوجون بصولجان السلطة والنفوذ والمال المحصل من الثروات الجنوبية، وهو أمر يحمل من المفارقة المبكية والسريالية العجائبية ما لم يحصل في تاريخ أي شعب من شعوب الأرض إلا عندنا في هذا البلد البائس.
كل السلطات الرسمية: الرئاسية والبرلمانة والحكومية التي تحكم الجنوب، يديرها قادة ليس فيهم جنوبياً واحداً، لكنهم قادمون من الأراضي والمناطق التي يديرها ويهيمن عليها ويحاصر أهلها الحوثيون، والأكثر من هذا أن معظمهم من ألد أعداء الجنوب: الأول قُتِلَ علي يديه وبتوجيهٍ منه أكثر من عشرة آلاف جنوبي وأصيب أضعافهم من الجرحى والمعوقين، من شباب ثورة الحراك السلمي، والثاني كان في 94م يخون الجنوبيين كانفصاليين ويلفق الدعايات والاتهامات المعرضة واللاأخلاقية-المزيفة ضد الشعب الجنوبي والقيادات الجنوبية، وقام بأكثر مما قام به الزنداني والديلمي من التحريضات وإثارة البغضاء ضد الجنوبيين، والثالث يمارس سياسة الحرب الصامتة على الجنوب، من خلال تحشيد ملايين الـ(نازحين) وصرف مئات ملايين الدولارات لهم ليبنوا مساكنهم العشوائية ويستوطنوا ويجيشوا على الجنوب ويصنعوا أغلبية ديمغرافية وافدة غريبة على الجنوب والجنوبيين، ويقود بإتقان حرب الخدمات وسياسات التجويع ضد الجنوب وأهله.
هؤلاء المتصدرون للمشهد والمهيمنون على صناعة القرار في الجنوب وضد الجنوب وأهله لا ينظرون إلى الشعب الجنوبي إلا كشعب معادي يجب إزالته من الأرض ولا يختلفون عن علي عبد الله صالح وعلي محسن والزنداني واليدومي ,وغيرهم من أساطين 7/7 سوى بالأسماء فقط؟
وباختصار حكام الجنوب اليوم هم جماعة لم يجدوا أرضا يحكمونها بعد أن سلموا أرضهم للحوثيين فاستعار لهم الأشقاء أرض الجنوب ليحكموها ويسومون سكانها سوء العذاب، وإلا أين سيحكمون؟؟
فأي خيرٍ ننتظره من قادة على شاكلة هؤلاء ليقدموه للشعب الذي ينظرون إليه كشعب سكانه كلهم أعداء ينبغي معاقبتهم أشد العقاب؟؟
ختاما:
نحن لا نتحدث عن هؤلاء كأسماء أو كمواطنين أو حتى كموظفين حكوميين، ولكن كقادة كل ما يسجله لهم التاريخ هو الفشل والعدوان ونصرة الظلم وقمع أهل الحق والتبجح باسم "الثورة" و"الجمهورية" و"الوحدة" وهي مسميات لم يعد لها من وجود على أرض الواقع المعاش.