الناعقون مهلاً..!

* من تابع وعايش قليلا من تداعيات وانفعالات (كاليندا جرابار كيتاروفيتش) رئيسة جمهورية (كرواتيا) في بطولة كأس العالم، سيدرك كيف أن الحس الوطني سلوك يمارس على أرض الواقع، لا يحتاج دعاية وترويجا، ولا فرقة ناعقة، حس قومي لا يمكن شراؤه من بقالة (حزب) أو دكان (قبيلة) ولو بمال قارون..

* لم تقل لنا (الست الرئيسة) إن الوطنية حشد وتحشيد ومكاسب سياسية كيدية تصد أطماع المعارضة، تماما مثلما أنها عاشت الحلم الكرواتي في المونديال بشعور مواطن أو مواطنة بعيدا عن أسلاك السياسة المكهربة..
* لم نرَ خلف الرئيسة الكرواتية جيشا جرارا يحمي ظهرها أو كتيبة تحصي خطواتها وهي تستقبل لاعبي منتخب كرواتيا وتحتفل معهم في (زغرب)، ثم تتناول العشاء مع اللاعبين دون مظاهر مسلحة، لم نلمح مواطنا يقبل يدها أو (شحاتا) يدس في بنطالها عريضة مساعدة، أو مسؤولا منافقا يلتقط معها صورة للذكرى، وتسأل باعتبارك مواطنا ينتمي للعالم الثالث، حيث القمع والدجل والسحل: ترى متى نشاهد مثل هذه الصور الصادقة البسيطة في (يمن) ينعق عليه الغراب..؟
* يبدو سؤالا ساذجا بحق لإيماني المطلق أن كل رؤساء حرف (العين) كانوا يفطرون الشعب جوعاً، ويغدونه شحتاً وشقاءً، ويعشونه بؤساُ ورعباً ، ومثل هؤلاء لا يمكنهم بعد كل هذه الجرائم التي يتبرأ منها (إبليس) أن يثقوا في ملعب يموج بالشعب الكادح، ولا يمكنهم أن يأمنوا على أنفسهم حتى من أهل دارهم..

* تحرص رئيسة كرواتيا كل صباح على شراء الحليب من (سوبر ماركت) قريب من منزلها، تقول إنها تفعل ذلك حتى تطمئن أنها لازالت مواطنة تعمل نفس واجبات كل أم حنونة وزوجة صالحة..
* شعوب خلق الله تعيش في سلام وأمان في بلدان راقية اقتنعت أن الإنسان أثمن رأس مال في العالم، رأفت بالحيوانات وصانت الأمانة ووضعت القانون مرجعية للفقير قبل الغني، ففاضت عليهم بركات السماء خيرا وفيرا..

* نجحت رئيسة كرواتيا في لي أعناقنا نحو بلدها الذي أبلى بلاءً حسنا في المونديال، ثم كشفت عن (روشتة) النجاح، لعل أبرزها أن (الكروات) حاربوا الرياء، صادروا حبوب النفاق وكباسيل التلوّن، بقيت معادلة النجاح هما وطنيا تشترك فيه الحكومة مع الشعب، لم تقرر باسمه ما لا يريده، ولم تفرض دستور البلاد إلا بعد أن صادق عليه كل بيت..

* لا أدري هل شاهدت حكومتنا الموقرة تلك الصور الحضارية المؤثرة أم أن أعضاءها لازالوا عند غيهم وضلالهم القديم، حيث الكرة مجرد رجس وخديعة أدخلها الغرب بلاد السعيدة خدمة لإبليس ووكلائه في اليمن..؟
* إذا أردنا خلق وطن يمضي في ثبات فخذوا من درس السيدة الكرواتية حكمة صناعة الأوطان، وخلطة صناعة الوطن، موادها في المتناول: ضمير حي وكادر خبير وأمانة ونظام وعدل وتعليم وصحة ووضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، قبل هذا لابد من التخلص فورا من النزعة القبلية والعقلية الهدامة والتعصب الحزبي الأرعن وفرملة قطار الفاسدين وقطع الطريق أمام المتاجرين بمعاناة وأخلاق الناس، الأهم أن تتوارى نرجسية من يدعون وصلا بالسياسة، فليس من المعقول أن يتحكم خمسمائة سياسي معتوه بمصير البلاد والعباد ويرسموا مستقبل الوطن الممزق بدلا من الشعب..
* عادة الشعوب تستمد الإرادة من نماذج خبيرة مجربة لم تعط ضمائرها إجازة بمرتب، المشكلة أن هؤلاء منفيون ومعزولون، هم في نظر الأنظمة الفاسدة أدوات نكرة، لذا تذهب رؤاهم أدراج الرياح، وتبقى الغلبة لبطانة السوء التي تعمي عيون الشعب بحجة تكحيلها..!