عندما تتنفس «الحدائق الخلفية»

النيجر ومالي والغابون في أفريقيا، وشعوب أخرى حول العالم، لطالما عاشت باعتبار أنها حدائق خلفية لدول بعيدة عنها تعتقد أن لها الحق فيما تراه أنه فضاؤها الجيوسياسي. القانون الدولي يمنح الأقوياء وحدهم السلطة في التصرف بمصائر الأمم وسيادتها. والبؤساء في الأوطان المحبوسة يخضعون للوصاية باسم الشرعية السياسية المغلفة في الجمهوريات التعيسة بالفساد وانعدام المسؤولية، وكذلك الافتقار للمعنى العميق للوطنية.
ثروات تهدر وتبدد وشعوب جائعة أقصى أحلامها الهجرة عن أوطانها، سمات للعيش في دول الحدائق الخلفية مهما تبدلت مواقعها على الخريطة العالمية. استيطان الجماعات المتطرفة، وتسلط النخب السياسية الفاسدة، ظواهر لا يمكن إخفاؤها، كما لا يمكن لمواطن احتمالها.
الدول الفاشلة تبقى مجالاً لنفوذ القوى الخارجية، وتتعرض لمظالم ممتدة كما هم شعوب أفريقيا التي تكد لتستخرج اليورانيوم لتضاء مدن أوروبا، بينما يعيشون بلا كهرباء. تمكين الجهل والفقر لم يأتِ من عدم، فهذه سياسات محمية بالقانون الدولي دائماً.
لسنا بحاجة إلى جدليات يشرحها أفلاطون ويبسطها، فهي فاقع لونها، مكشوف واقعها. المواطنون في دول الحدائق الخلفية مصابون بالوجع، فكما سَلمت الولايات المتحدة لحركة «طالبان» حكم أفغانستان، فعلت فرنسا يوم أن حزمت حقائبها وأنهت عملية «برخان» وتركت دول الساحل الأفريقي تواجه الجماعات الإرهابية. حدث ذلك، وباسم القانون الدولي، في لبنان والعراق وليبيا والسودان، وفي بعض الدول يتحكم الأصوليون المتشددون.
ما يحدث ليس فيه شيء من العدالة، حتى وإنْ حاولت القوى الدولية أن تعتبره عدالة قانونية وفقاً لمعاييرها التي منها تحصل على مواردها الرخيصة. الاستقلالية محور رئيسي من محاور القانون الدولي والسيادة حقوق مكتسبة للشعوب في بلدانها، فرضت العولمة والليبرالية أحمالاً ثقيلة وجعلت الشعوب بين خيارين، إما ديكتاتوريات قمعية شمولية، أو طغمة حاكمة موالية للخارج، مسوغات الاستقلال لم تعد ضمن القواميس والأعراف الحاكمة.
ومع ذلك فإن هناك حول العالم من يعيش في حالة إنكار للانقلابات والثورات. الإنكار بحد ذاته لا يوجد له من سياق منطقي، فكل مسببات الغضب من النظام الدولي تؤدي إلى ما يفعله العسكر في النيجر.
فلا فرق بين أن تكون البلاد تحت الوصاية الفرنسية أو غيرها، وإن كان البعض قد أفهموهم أنهم لن يتدخلوا في أطعمتهم ومشاربهم، لكنهم حتماً سيتدخلون في توفير الكميات الكبيرة من الذخائر الحيّة. لن تفهم القوى الكبرى، أو حتى تلكم الغاشمة، الشعور الدائم بالإحباط جراء تضاعف معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد، غياب الحكم الرشيد مع تجاهل حقوق الإنسان، هذه قضايا جوهرية تفاقم الأوضاع المعيشية للناس، كطبيعة الأشياء، فإن هذه المجتمعات تحولت إلى بلدان فاشلة تتذيل القوائم الدولية الاقتصادية، كما أنها تتصدر القوائم في الإرهاب وانعدم الأمن، الانقسامات الإثنية والحروب الطائفية والصراعات الحدودية سمات لا ينكرها أحد، فهذه هي نتيجة للشروط الجائرة وتزايد الديون الخارجية التي تراكمت دون معالجات موضوعية.
الوصاية وفرض التبعية وتوظيف أزمات البلدان الفقيرة لإدارة برامج البعثات الأممية سلوك تقليدي، لن يأتي بحلول بمقدار ما سيزيد من فرص التوترات والعنف السياسي. والخلاصة أن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتطوير الاقتصاد والتعليم والصحة، وتشجيع التكامل الإقليمي والتعاون، والمطالبة بإصلاح النظام الدولي وإنهاء الظلم والاستغلال، هذا ما سيساعد على إيجاد بعض الأمل والتفاؤل لهذه الشعوب وإظهار دورها في بناء عالم أفضل.
وفي هذا السياق، فإن على النخب الوطنية الأحمال الأثقل للتغيير وإنقاذ بلدانها، فلن تكف الدول الكبرى عن تدخلاتها وفرض وصايتها ونهب الثروات بغير وعيّ وطني يفرض السلطة ويحمي المصالح الوطنية والسيادة على القوى التي لم تفق من الحقبة الاستعمارية ولم تدرك أن العالم لا يمكن أن يكون آمناً دون عدالة وكرامة لكل البشر.