مع السعودية، ضد كندا.. لهذه الأسباب
فاروق يوسف*
- حوثيو إيران هم إيرانيو اليمن.. وعبدالملك نسخة باهتة من نصرالله
- المطلوب أن لا يتخلى الفلسطينيون عن قضيتهم
- هل من صيغة جديدة لاحتواء إيران؟
- لا مكان للقوة في الخليج
ما الذي تعرفه دولة ثانوية مثل كندا عن أحوالنا. لا شيء. بالتأكيد لا شيء. فهي لا تعرف أين تقع الفلوجة أو الموصل لذلك لم تقل كلمة حين تعرضت المدينتان للتدمير الشامل.
لا تعرف كندا ما الذي حدث في الغوطة الشرقية أو في حلب لذلك لم يُسمع لها صوت حين عصفت بهما الكوارث. لم يحرج صمتها أحدا. ذلك لأنها دولة غير معنية بما يحدث في منطقتنا.
وفجأة نكتشف أن لديها مصالح اقتصادية في المنطقة لم تكن في الحسبان.
الساسة الكنديون الذين لم يفكروا إنسانيا بما يجري في أوقات سابقة عز عليهم أن تخرج المملكة العربية السعودية إلى العصر الحديث فوقعوا في فخ إنسانيتهم المؤجلة والمضللة في الوقت نفسه.
ولأنهم لا يعرفون شيئا عن السعودية فقد خلطوا الأشياء، بعضها بالبعض الآخر وصاروا ينظرون بطريقة مطلقة إلى ما يجب النظر إليه من خلال اتصاله بالواقع النسبي وبالتحديد بثقافة ذلك الواقع.
لم توجه كندا كلمة نقد واحدة ضد ديمقراطية القتل والتزوير ونهب المال العام في العراق. غير أنها كانت مفوهة حين تعلق الأمر بحدث قانوني سعودي لا تعرف شيئا من تفاصيله.
كانت هناك عدوانية مقصودة لذاتها انطوى عليها السلوك الكندي لذلك جاء رد الفعل السعودي رادعا وقويا من خلال تعليق كل أنواع العلاقات بين الطرفين باستثناء ما يتعلق منها بالنفط.
لقد تصرفت السعودية بالطريقة التي سيكون من شأنها أن تدفع بمراهقي وزارة الخارجية الكندية إلى النظر إلى ما فعلوه بطريقة مختلفة، بما يجعلهم يتعرفون عن قرب إلى الفخ الذي انقادوا إليه ليرتكبوا خطأ التدخل في الشؤون الداخلية لدولة تحرص على تطبيق القانون داخل حدودها.
ظهرت السعودية في ردة فعلها كما هي، دولة تحترم الأعراف الدبلوماسية في العلاقة بين الدول. لا تتدخل في الشؤون الداخلية لسواها من الدول وبالقوة نفسها تمنع من تسوّل نفسه له التدخل في شؤونها من القيام بذلك.
هذا ما تفعله الدول التي تحترم قوانينها.
وإذا ما كانت دول غربية عديدة وفي مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا قد امتنعت من أن تلعب دور الوسيط الذي ينقذ كندا من أزمتها فلأن تلك الدول تدرك جيدا قوة الإرادة التي تقف وراء القرار السعودي.
لم ترغب السعودية من خلال ردع الدبلوماسية الكندية في أن تقدم دروسا للآخرين. فما من أحد من السياسيين المحترفين في العالم لا يعرف كيف تنظر السعودية إلى صورتها الحقيقية.
وقد لا يبدو بعيدا عن الواقع أن الجهات التي حرّضت الدبلوماسية الكندية على الانزلاق إلى خطأ التدخل في الشؤون الداخلية للملكة العربية السعودية حاولت من خلال تشويه صورة المملكة أن تشوّه المشروع التنويري الكبير الذي يقوده وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
ولو كان الكنديون على معرفة بالقيمة التاريخية التي ينطوي عليها ذلك المشروع، لا على مستوى المملكة وحدها بل وأيضا على مستوى المنطقة كلها لما ارتكبوا حماقتهم التي قادتهم إلى وضع لا يُحسدون عليه.
لم تكن محاولات الترقيع التي بذلها رئيس الوزراء الكندي في بداية الأزمة إلا دليلا على عمق ذلك الجهل الذي استغلته جهات مغرضة. لم تدرك كندا حجم الهفوة التي ارتكبتها إلا حين تخلّى عنها الجميع في مواجهة خسائر لم تضعها في الحسبان.
المدهش في السلوك السعودي أنه يؤسس لمعايير تعتمد على الشفافية في العلاقات بين الدول، رافضا أسلوب الدسائس والمكائد الذي يعتقد ممارسوه أن مصالحهم لن تتضرر بسببه، ذلك لأنهم لا يرغبون في رؤية ضحاياهم بحجمهم الحقيقي.
في الأزمة الكندية ظهرت السعودية بحجمها الحقيقي. دولة تفرض على الآخرين احترامها بل وتجبرهم على القيام بذلك بسبب احترامها للقوانين الدولية.