كلام في الممنوع بين بيروت وصعدة

‏لطالما تربع حسن نصر الله على عرش الشعارات الكبرى باعتباره سيّد المقاومة. ما تمتعت به الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت منذ نهاية الحرب الأهلية يبدو أنه بدأ بالتضاؤل، أو أنه في طريقه إلى ذلك.

‏تابع العالم العربي باهتمام ظهور حسن نصر الله بعد أكثر من شهر على هجمات السابع من أكتوبر «الحمساوية» على إسرائيل في غلاف غزة، غير أن ذلك الظهور كان محبطاً لمجاميع القوى الشعبية وحتى المليشياوية المحسوبة على محور المقاومة بعد خطاب امتد لما يقارب الساعتين تنصل فيه «نصر الله» من الهجوم «الحمساوي». وتحدث بشكل صريح عن أن قواته لن تخوض حرباً مع الإسرائيليين، مما اعتبر أنه ضربة موجعة للمحور الذي لطالما سوّق للمعركة الفاصلة مع إسرائيل.

‏وفيما كانت المليشيات العراقية والسورية تشاغب القواعد الأميركية بهجمات محدودة الأثر، جاءت المفاجأة من هجوم «الحوثيين» بالطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى التي حاولت الوصول إلى ميناء إيلات في جنوب إسرائيل.

‏وما إن أدركت مليشيات «الحوثي» اليمنية بعدم قدرتها العسكرية على إحداث تأثير يذكر، حتى أطلقت سلسلة من عمليات القرصنة البحرية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب، من اختطاف سفينة تجارية إلى هجمات على السفن بالطيران المسيّر وحتى التهديد المباشر بإغلاق المنفذ البحري الحيوي، هذا ما فعلته جماعة «الحوثي»، مما دفع بالولايات المتحدة لتشكيل تحالف عسكري دولي للتعامل مع العمليات «الحوثية».

‏في المقابل، حافظ «حزب الله» اللبناني على قواعد الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، واعتمد ما يمكننا توصيفه بأنها «لعبة تنس»، لم تتغير الضربات ولا حتى الرد عليها ضمن حدود حافظت بالقدر الذي يضمن عدم توسيع جبهة المواجهة الشمالية لإسرائيل، والتي كان يُناط بها مسؤولية الضغط الأقوى لتخفيف ما تتلقاه حركة «حماس» من ضربات قوية في بنيتها التحتية داخل معقلها في قطاع غزة.

‏«الحوثيون» كانوا الأكثر حضوراً مما عمل على تغيير كامل للتوازنات في ما يسمى بـ «محور المقاومة»، فهذه الجماعة التي لطالما تهكمت عليها الفصائل المحسوبة على إيران، تحولت إلى رأس الحربة وسحبت تعاطف بعض الشعوب المحسوبة على هذا «المحور»، بمنْ فيهم فلول اليسار العربي.

‏المشهد يقود إلى أن تنتقل سيادة «المحور» من حسن نصر الله اللبناني إلى عبدالملك الحوثي اليمني، فليس أمام الجماهير المشحونة بخطاباتها غير الإقرار بهذا الواقع، الذي يبدو ساخراً، فلطالما تهكموا على اليمني باعتباره قابعاً في كهف من كهوف جبال «صعدة». كما أنه كان ومازال مصراً على تقليد حسن نصر الله في ظهوره أمام أنصاره في خطاباته الطويلة المعروف عنها أنها مملة ورتيبة إضافة إلى لغته الركيكة.

‏ومع ذلك فإن «الحوثي» سينازع الكل على الزعامة الروحية، فهو لا يرى نفسه زعيماً في محور، بل إنه وبحسب عقيدته المذهبية والطائفية، يصف نفسه بأنه «قرين القرآن» وهي حالة اصطفاء عالية رفيعة تشتد بالعرق بحسب المفهوم «الحوثي»، الذي يختلف حول الولي الفقيّه باعتبار أن قرين القرآن حاضر بين الناس فله حق الإمامة والعصمة.

‏لا أحد سيجاهر بالكلام الممنوع في هذه اللحظة، غير أن على جماعة «محور المقاومة» ألا يمنعوا أنفسهم من التحضير لاستحقاق التنازع على الزعامة، فلن يقبل اليمنيون أن يكون لحسن نصر الله الكلمة العُليا على عبدالملك الحوثي.
‏صراع الزعامة في الجماعات الراديكالية ممتد عبر العصور والأزمنة، كيف يمكن معالجة تنازع بهذه الدرجة البالغة الحساسية بين أقطاب عملت طويلاً لتوظيف المفاهيم العقائدية لتكريس سطوتها الروحية في مجتمعاتها المحلية، الصراع المنتظر قدر محتوم بين «صعدة» اليمنية وبيروت اللبنانية، وبينهما ضاعت دولتان عربيتان.