مجاعة الأزارق


ما إن تذكر منطقة الأزارق (التي ينطقها العامة: لزارق)- تلك المديرية الضالعية الجميلة حتى يهطل على الذاكرة سيل غزير من المعاني والمفردات الجميلة والأصيلة التي تميز المنطقة وسكانها، أهم تلك المفردات جمال الطبيعة وعطاؤها، بساطة الناس ونقاؤهم، مجد التاريخ وكبرياء الاهل وسيرة عريقة من التحدي والمواجهة في سفر الحرية والكرامة والتطلع إلى الآتي الأفضل والأعدل، وإباء الضيم والانتصار للحق والحقيقة ورفض الظلم الزيف، فمنذ الشيخ محمد عواس الذي وجه سلاحه إلى صدر المندوب البريطاني لازدرائه الأهالي وإهانة كرامتهم حتى شهداء العزة والكرامة في العام 2015م هناك سيرة عطرة من النضال والتضحية والإباء يحفل بها تاريخ الازارق.



يروي الكثيرون أن الأزارق كانت ذات يوم سلة غذاء كل الضالع والمناطق المحيطة لخصوبة تربتها وجاهزية أهلها للعمل والكفاح وصبرهم على الشدائد وانتصارهم عليها، وكان الناس يقدمون من الشعيب والضالع وزبيد وجحاف والحشا وقعطبة ومريس وربما من مناطق أخرى للعمل وكسب العيش في الأزارق نظرا لاتساع أراضيها وعدم كفاية اليد العملة من أبنائها، ويعود هؤلاء بشيء من خير الأزارق الوفير لينعموا به مع أهاليهم في المناطق التي أتوا منها.
 ولأن للزمان دوراته وللعصور سننها وقانونيات صيرورتها، فقد تغيرت الأمور ونشأت حرفٌ أخرى وفتحت أبوابٌ جديدة لكسب العيش وكانت الهجرة واحد من المجالات المنافسة  للازارق التي بقيت محتفظة بتميزها الزراعي الذي تراجعت مكانته في سلم مصادر العيش.


واليوم تعيش الأزارق أزمةَ مجاعةٍ شديدة تتداخل فيها الأسباب الطبيعية بالمجتمعية بالسياسية، أزمةً تتناسل منها أزمات عدة كلها تهدد حياة الناس هناك لعل أهما انتشار سؤء التغذية والأوبئة واحتمال حدوث وفيات وبالمئات وربما بالآلاف.


المجاعة في الازارق وصمة عار في سجلِّ حكومة الشرعية التي لم تحرك ساكناً ولم تقل كلمةً ولم تتخذ موقفاً من أجل إنقاذ الأمومة والطفولة في هذه المديرية الأبية، ولم تنظر إلى هؤلاء الضحايا على إنهم مواطنون لهم الحق في الحياة بسكينة وبحدود ادنى من الكرامة والعزة بل لا نستبعد إن هناك من بين مسؤوليها، من قد يستمتع برؤية المجاعة ترسم أخاديدها وسوء التغذية تتجلى فجاجته على أجساد الأطفال والنساء والرجال.



إنقاذ الأزارق واجب أخلاقي ووطني وإنساني بعد أن تخلت السلطة المفترض انها شرعية عن أهم واجباتها وهو حماية حياة الناس وأرواحهم  من الموت المحقق وهذا الواجب يشمل عدة أطراف أهمها الأشقاء في دول التحالف والمقتدرين من رجال المال والأعمال ومن عامة المواطنين، أما الحكومة الشرعية فقد فقدنا أصغر ذرة من الأمل في الرهان على صحوة ضمير لدى أيٍ من القائمين عليها فهم منشغلون بترتيب أوضاع أقربائهم وترتيب منازلهم الجديدة في القاهرة واسطنبول وغيرها من المدن الهادئة والجميلة، (إلا من رحم ربي).


الازارق وأهلها ليسوا بحاجة فقط إلى الغداء، بل إنهم يحتاجون إلى الغذاء والدواء واللباس ومراكز الإسعاف ونقل المهددين بالموت إلى مستشفيات أكثر قدرة على تقديم الخدمات الإنقاذية رغم سوء الأحوال في عموم البلد.


إنني إذ أثني على قرار هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي العاجل والقاضي بإنشاء لجنة طوارئ لمتابعة أزمة المجاعة في الازارق فإنني أتفهم حجم التحدي وضخامة المسؤولية وشبكة التعقيدات التي سيمرون بها لتحقيق هذه الغاية النبيلة، لكنني أعتبرها خطوة عظيمة تجمع بين البعد الإنساني والمسؤولية الاجتماعية والتصرف الأخلاقي والوطني المسؤول، وأدعو كل من يعنيه الأمر إلى التعامل بإيجابية مع هذه اللجنة لتسهيل مهمتها والإسراع في إنقاذ من يستحقون الإنقاذ من أبناء الازارق وبناتها ومن شيوخها ورجالها ونسائها.


والله المستعان على كل حال