حاكموهم تفلحوا

لا يمكن بحال من الأحوال أن تغادرنا حقيقة المراجعات التي قدمتها «الجماعة الإسلامية» المصرية عندما كان عناصرها في السجون على خلفية الاتهامات باغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، ما قدم باعتباره مراجعات فكرية كانت لعبة ماكرة ابتدعتها الجماعة الإسلامية لتحصل منها على صفقة مع السلطة السياسية لتخفيف العقوبات وهو ما حدث بالفعل عندما تم الإفراج عن المئات منهم، أولئك المفرج عنهم ذهبوا إلى أفغانستان التي كانت تجري فيها حرب بالوكالة بين الغرب والاتحاد السوفييتي فضلّت التيارات الإسلامية أن تلعب فيها دور الحطب في نار الحرب.

الخديعة التي أفلتت بها الجماعة الإسلامية ظلت، ويبدو أنها ستبقى كذلك لمدة طويلة، الطريقة المثالية لتملص المتأسلمين من خطاياهم، كررت جماعة «الإخوان» في أكثر فروعها بعد أن أسقطتها ثورة 30 يونيو 2013 في مصر ما دفع فروع الجماعة لتقديم مراجعات حاولت امتصاص الأنظمة السياسية العربية، ثبت بالشواهد القطعية أن كل فروع جماعة «الإخوان»، التي قدمت ما يطلقون عليها بالمراجعات الفكرية أنها لم تتخل عن أفكارها، عدة منعطفات أكدت أن الخديعة لم يكن هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر 2023، إلا إحداها التي أعادت فيها قواعد الجماعة خطابها التقليدي ودعواتها الأصلية.

الإشكالية عميقة للغاية وتتطلب فهماً للذهنية التي يفكر فيها المتأسلمون، فهؤلاء لديهم مسوغاتهم الدينية التي عرفوا كيف يوظفونها لهذه الغاية، التقيّة وغيرها تستخدم في تمريرهم للخديعة كل مرة، بل حتى أنهم يجيزون لأنفسهم الإفلات الفردي كما صنع حسن البنا عندما رفع شعاراً: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، وهو من إحدى أهم المرجعيات التي تستخدمها الجماعة على مزدوجين، فمنها تُشرعِن قتل كل منّ لا ينتمي للجماعة، وكذلك من هذا الشعار تتخلى عن الجرائم والقضايا القانونية التي تطارد أفرادها. عبر عقود نسجت التيارات الإسلامية نسيجاً حولها تشربته الشعوب كما هي الأنظمة السياسية، حاجز حول قدسيّة الشخوص والأفكار تمثل خط الدفاع الأهم، فهو الذي لم يستطع أحد كسره وظلت الجماعة وأفرادها محميّة دائماً، المرة الوحيدة والتي تعدّ انفراداً كانت في محاكمات محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، فلقد بثها التلفزيون المصري وكانت عملياً محاولة جريئة لكسر الحاجز، الانكشاف الذي أظهرته المحاكمات العلنية لفكر الجماعات المتطرقة، لا يغني من أن هناك حاجة لأكثر من تكرارها، مع ضرورة عمل المنظومة الإعلامية لتفنيد كل ما يتم تداوله من مغالطات، فثمّة شعوب تلقت ثقافة شعبوية مسمومة عليها أن تعالج ما تلقته عبر العقود.

من أهم ما على الدولة الوطنية العربية القيام به إنزال الأحكام القضائية الأقصى على أفراد الجماعات الراديكالية، التجارب وحدها ترشدنا إلى ذلك، فلم تنجح المناصحة والعقوبات المخففة التي ظلت تراعي المخاوف الكلاسيكية، يقابل ذلك الأهم في النظر إلى أن إنزال حكم الإعدام على نمر النمر في السعودية عام 2016 أثبت نهاية لدعوته الفوضوية والتحريضية، هذا ما يعزز الدفع باتجاه أن تكون الدولة أكثر قوة في مواجهة أفراد الجماعات المتأسلمة، فالعقوبات الأشدّ وحدها هي التي ستضع حداً كاملاً، حتى لا يلتحق أفراد من المجتمعات بهذه الجماعات.

الماكرون اعتادوا على إنكار حتى أفكارهم، كما يقدم ذلك بعضهم باعتبار أن ما قدموه أنه اعتذار كان كافياً ليعيدوا إنتاج أنفسهم وأفكارهم في قوالب مختلفة، وهنا لابد وأن يعاد التذكير مراراً وتكراراً أن أهم ما على الدولة الوطنية أن تقوم به هو حماية مواطنيها. وهذا ما يقتضي الردع، أيّ أن لا مجال لعدم إنفاذ العقوبات الأشد حتى تردع هذه الجماعات، ومعها يتم توفير الأمن والاستقرار للمجتمعات، الخداع والمكر من الصفات الملازمة لـ «المتأسلمين» فمراجعاتهم أكذوبة، واعتذاراتهم عن خطاياهم تهرب من الجرائم التي ارتكبوها، لا تستحق المجتمعات تبديداً من أوقاتها في تجريب المجرب.. حاكموهم تفلحوا وتفلح أوطانكم.