المتقاعد اليمني = نصف إنسان
المتقاعد اليمني.. الذي أفنى العمر كدّا واجتهادا ونفعا وإبداعا وعملا مثابرا ونتاجا جزيلا وإخلاصا وتفانيا، وقدم عصارة جهده وخبرته وتجاربه في خدمة الوطن، وأمضى ريعان الشباب وسنين العمر حتى غزا الشيب مفرقه وأحنى الدهر ظهره وطحنته مفرمة الحياة، حتى أصبح صيدا سهلا للأمراض لتنهش جسده وتحول إلى زبون دائم للصيدليات والأدوية بمختلف مسمياتها وأنواعها وأصنافها.
ولكن وبعد رحلة التعب والعناء والعرق والجهد من أجل خدمة وتطور الوطن والتي قدمها بكل الحب والقناعة والرضى، فما أن يصل إلى أحد الأجلين (أحلاهما مر) إما خدمة خمس وثلاثين عاما أو بلوغ سن الستين، يفاجأ المتقاعد بأن يجد نفسه وجها لوجه أمام جزاء سنمار، حيث يكون في استقباله تشكيلات متنوعة ومتعددة من الروتين السقيم والمعاملة الجافة وغير اللائقة وممارسة التعذيب المتعمد والشديد، والإجبار على ممارسة رياضة صعود ونزول السلالم، والوقوف المذل على أبواب المكاتب والدوران الممل والشاق بالملفات والأوراق في أروقة هيئة التأمينات والمعاشات، وعلى المتقاعد أن يستمع ويستمتع مجبرا ورغم أنفه إلى العبارات النشاز التي يرددها طاقم الموظفين وبمتعة ونشوة (إنها إجراءات.. إجراءات.. يا عاقل، وتعال بكرة، ومنك الصبر وعلينا الوفاء)، ليطول زمن هذا الوفاء المزعوم إلى عدد من الشهور ليظل المتقاعد فيها دون معاش، وعليه أن يدبر حاله ويقلب يديه إلى أن يحين موعد الوفاء المنتظر.
ولكن، وعلى قول إخواننا المصريين «كل هذا كوم وذلك القانون الجائر كوم آخر»، ونقصد هنا بالقانون الجائر الذي يتعامل مع المتقاعد وهو من هو أو هكذا يفترض.. حيث تنص المادة (63) من قانون التأمينات والمعاشات بأن المتقاعد يعتبر مجرد (نصف إنسان) وذلك عند احتساب العلاوات والزيادات في الرواتب، وهذا هو تقدير وتكريم المنتظر للمتقاعد وعلى الطريقة اليمنية، وكان يجب أن يلحق بهذا القانون الجائر لائحة تفسيرية تؤكد بأن يشتري احتياجاته بنصف الثمن ، ولكن في ظل هذا القانون فإن على المتقاعد أن يتنفس من منخر ويرى بعين واحدة وأن يستعمل يد واحدة وأن يمشي برجل واحدة وهكذا تنفيذا لهذا القانون الغريب.
والمطلوب إلغاء هذه الفقرة العجيبة، وأن يتم التعامل مع المتقاعد معاملة متساوية، وأن نعيد للمتقاعد اعتباره ويكفيه ما يقاسيه من معاناة وإهمال وتجاهل وعدم توفر أقصى حدود الرعاية المطلوبة لهذا القطاع الهام من المجتمع، ولكم الله يا متقاعدي بلادي.