تحليل: أهمية آداب الحوار والاختلاف


أهمية آداب الحوار والاختلاف
ثابت حسين صالح*
الحوار هو لغة المتحضرين من البشر الذين يجلسون على طاولة واحدة كي يحلوا مشاكلهم وخلافاتهم، مهما بلغت من التعقيد، بعيداً عن الوسائل الأخرى كاللجوء إلى القوة أو الدسائس أو الحيل أو المؤامرات.
وللحوار آدابه وشروطه التي يأتي في مقدمتها الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح كل طرف وحق الكل في التعبير وبحرية تامة وشفافية عن آراءه وتصوراته بعيداً عن لغة التخوين أو التكفير أو التهديد.
قال الإمام الغزالي رحمه الله " رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصح ".
وما أحوجنا في هذه الأيام إلى التمسك بهذه القيم بعيداً عن القناعات والأحكام المسبقة والوصفات الجاهزة...
فليس في السياسة والحياة أي شيْ ثابت ومقدس عدى الدين الذي انزله الله على انبيائه وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
حياة الناس ومعيشتهم وحريتهم وكرامتهم هي الثابت المقدس...وما عدى ذلك فهو قابل للحوار والتفاوض للوصول إلى حلول موضوعية ومنطقية وعادلة.
في الأزمات المزمنة والحرب بل الحروب الطاحنة منذ إعلان "الوحدة"، بل وما قبلها، غابت آداب الحوار وتم التهرب وتغييب القضايا الجوهرية للصراع بين الجنوب واليمن.
ولم تتوفر الشروط الموضوعية والذاتية والمصداقية والإرادة السياسية للوصول إلى حل جذري للقضايا الجوهرية الحيوية وفي مقدمتها قضية الجنوب التي تعتبر قضية شعب ودولة تم إقصائها والقضاء على مكوناتها المادية والثقافية والحضارية وإلحاق القهر والذل والظلم بشعبها قيادات وكوادر و..
تلك جوهر الأزمة وأس الصراع ومحوره، وعلى حل هذه القضية المحورية حلآً عادلاً ومنصفاً لأبناء الجنوب، سيتوقف نجاح أي حوار أو مبادرة وسيتحقق الأمن والاستقرار والإنصاف والعدالة للجميع.
وعلى القوى السياسية والاجتماعية اليمنية أن تغادر ثقافة الاستعلاء والمكابرة والهروب من الاعتراف بفشل الوحدة واستحالة تجريب أي شكل من اشكالها، والاعتذار عن حربي 1994م و 2015 ونتائجهما.
حل أي مشكلة يبدأ بالاعتراف بها ومن ثم الاعتذار عنها والوعد بعدم تكرارها في المستقبل.
لم يعد لدى القوى السياسية متسعاً من الوقت للتسويف والمماطلة والتأجيل والتمديد... فقد بلغت القلوب الحناجر ووصلت الأزمات الى ذروتها، وتجاوز الصبر كل الحدود.
حان الوقت لاحقاق الحق وتمكين العقل تجاه قضية شعب صبر وكابد عشرات السنين من عمره ومن مستقبل أبنائه.
الجلوس على طاولة الحوار الندي بين الجنوب واليمن وبضمانات إقليمية ودولية هو فرصة ذهبية لابد من اغتنامها لمواجهة الحقائق وتقديم الحلول الجريئة لها دون الالتفات لمصالح القوى التقليدية الأنانية والضيقة وحملة التعبئة الجوفاء لاستمرار الحرب وبقاء الحال على ما هو عليه خدمة لمصالحها الذاتية والاجندات الخارجية المعادية.
*باحث ومحلل سياسي وعسكري