على شرف الثلاثين من نوفمبر
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
تهل علينا الذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م، هذا الحدث التاريخي الاستثنائي الذي جاء تتويجا لنضالات عقود متواصلة خاضها شعبنا الجنوبي من أجل الحرية والاستقلال والكرامة وصناعة المستقبل المزدهر لأبنائه وبناته.
ومن المؤكد أن هذا الحدث العظيم الذي جاء بعد نضالٍ مسلحٍ دام أربع سنوات لم يكن معزولاً عن النضالات الطويلة التي خاضها شعبنا طوال عقود ما قبل اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر، سواء أكانت تلك الانتفاضات المسلحة التي انطلقت في مناطق جنوبية متفرقة، وكانت في معظها تتخذ الطابع المناطقي المحدود جغرافيا وكان يجري وأدها بسهولة نظرا لتفاوت ميزان القوى لصالح المنظومة الاستعمارية وزبائنها المحليين، أو تلك الاحتجاجات المدنية السلمية النقابية والسياسية التي شهدتها المدن الرئيسية وفي المقدمة منها مدينة عدن، والتي كانت غالبا ما ترفع الكثير من المطالب السياسية والخدمية والحقوقية، . . . كل تلك المواجهات قد شكلت أرضيةً صلبةً انطلقت منها ثورة الرابع عشر من أكتوبر للتعبير عن مستوى النضج السياسي الذي توصل إليه شعبنا الجنوبي بعد أن يأس من التعامل السلمي مع خصم سياسي قام منذ البداية على قاعدة البطش التضليل والغزو والاجتياح والخداع والاغتصاب والقوة.
ذكرى الثلاثين من نوفمبر ليست فقط ذكرى الانعتاق والحرية ورحيل الجيش البريطاني، وتطهير البلاد منه ومن بقايا موروثه، بل إنها ذكرى توحيد الجنوب في كيان واحد وبمسمىً واحد جديد يساوي بين المواطنين من جميع المناطق والأطراف والطبقات والمستويات الاجتماعية، ذكرى تدشين مرحلة جديدة هي مرحلة البناء الذي لم يكن طريقه مفروشاً بالورود أو السجاد، بل كان وعراً شاقاً متشعباً وشائكاً، لكن مرحلة البناء برغم كل المصاعب والعوائق والتضييقات الخارجية، استطاعت وبمضاعفة الإرادة الشعبية أن تحقق أرقاماً قياسيةً في العديد من المجالات، سواء في مجال التعليم ومحو الأمية المجانيين، أو الخدمات الطبية المجانية أو البناء المؤسسي لجهاز الدولة الإداري والأمني والقضائي والخدمي لتجد الدولة نفسها منتشرة في أقصى أقاصي الأرياف التي لم تعرف نظاماً ولا قانوناً منذ قرون طويلة.
لن نناقش القلة القليلة التي تتباكى على زمن الاستعمار وتطالب بالاعتذار لبريطانيا، فلكل من هؤلاء حجته ومصلحته التي ينطلق منها، لكن يكفي أن نذكر هؤلاء أنه لولا الثورة والاستقلال لما عرف الجنوب دولة واحدة موحدة، ولا وصلت خدمات الحفاظ على الانسان إلى كل نقطة من أرض الجنوب ولما وصل أبناء الفقراء (والأغنياء) على السواء إلى الحصول على أعلى الشهادات الجامعية ولما اختفى المتسولون من شوارع المدن والأرياف، ولما صار بمقدور عامل النظافة أن يقاضي المدير أو الوزير ويكسب القضية إذا كان محقا.
الثلاثين من نوفمبر هي رمز العزة والكرامة والحرية والإباء وقدسية الوطن والمواطن، وقبل هذا وبعده رمز الانتماء للوطن الكبير والمواطنة المتساويه بين أبنائه.
رحم الله شهداء الثورة والاستقلال وشهداء الثورة الثانية على طريق الاستقلال الثاني.