جدل ديني كبير في مصر حول قانون تنظيم الظهور الإعلامي (تقرير خاص)

الأربعاء 5 ديسمبر 2018 20:51:23
جدل ديني كبير في مصر حول قانون "تنظيم الظهور الإعلامي" (تقرير خاص)







شهدت مصر حالة من الجدل الديني الواسع، عقب قرار أصدره الأزهر الشريف بمنع أعضائه وعلمائه من الظهور إعلاميًا إلا بحصولهم على تصريح مسبق، في إطار توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني.
وأكد الأزهر أن القرار ليس حجرًا على فكرٍ، ولا إقصاءً لعالم إذا أخطأ، في حين اعتبر خبراء أنه يتماشى مع خطة الدولة في إطار السعي لتجديد الخطاب الديني، وتنقيته من الآراء والأفكار المتشددة، التي يبثها قلة من الأزهر عبر وسائل الإعلام، والتي لا تعبر عن المؤسسة كونها ترتكز على الاعتدال والوسطية وتتنافى مع تعاليمه.
بدأ الأمر عندما رفع البرلمان المصري، شعار "تنظيم الظهور الإعلامي لعلماء الدين"، والذي قدم طرحه النائب البرلمانى محمد شعبان، لمشروع قانون يضمن منع ظهور أى رجل دينى على القنوات الفضائية، إلا بالحصول على تصريح يخول له ذلك، غير أن المشروع أثار حالة من الجدل والغليان داخل أروقة مجلس النواب.
وتدور التساؤولات حول مشروع قانون لتنظيم الظهور الإعلامى لعلماء الدين، حول ما إذا كان التعميم فى تنظيم ظهور علماء الدين فى وسائل الإعلام أفضل أم تحديد برامج معينة وموضوع الحديث فى شؤون الدين أفضل، فيما رأى البعض أن يتم حذف كلمة "علماء الدين" من عنوان أو مسمى مشروع القانون، بينما رأى البعض الآخر ألا يكون القانون لمنح تراخيص لمن يظهر فى وسائل الإعلام من علماء الدين للحديث فى شؤون الدين، ولكن يكون لحظر ظهور القلة المخالفة أو غير المؤهلة للحديث فى شؤون الدين.
وأكد النائب البرلمانى، محمد شعبان، صاحب مشروع قانون تنظيم الظهور الإعلامى لعلماء الدين، أن فلسفة مشروع القانون تقوم على حماية الأسرة والمجتمع من الأفكار والفتاوى الشاذة التى تطل بها البرامج ليل نهار على المجتمع خاصة فى الفترة الأخيرة، الأمر الذى دفعه إلى تنظيم ذلك الأمر حفاظا على المجتمع.
وأوضح شعبان، أن مشروع القانون لا يتربص بأحد من علماء ورجال الدين، بل سيسمح لغير العاملين بالمؤسسات الدينية بالظهور فى البرامج، شريطة أن يجتاز الاختبارات المقررة فى هذا الشأن، موجها رسالة لعلماء الدين قائلا: نحن نرحب بظهور الجميع، ولكن لابد أن تكون هناك آليات قانونية لتنظم تلك المسألة وتحمل العقاب لمن تسول له نفسه الإدلاء بأحكام تخالف تعاليم الشرع الحنيف أو إثارة الفتنة، أو الحديث بفتاوى شاذة تهدد استقرار المجتمع.
من جانبه قال الدكتور ياسر عطية، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، في تصريح خاص لـ"المشهد العربي"، أن القرار جاء في التوقيت الصحيح، لافتًا إلى أنه يهدف إلى الحفاظ على هيبة المؤسسة الدينية التي تمثل العالم الإسلامي، والحفاظ على هيبة أعضائها وكل القائمين عليها.
وأضاف عطية، أن عدد الأزهريين الذين يظهرون في وسائل الإعلام محدود جدًا، مقارنة بالأئمة والعلماء الذين يمثلون الأزهر، مشيرًا إلى أن قلة أزهرية تظهر متشدقة بالفتاوى المتشددة، وأحاديث تخالف المؤسسة الدينية وتنافي تعاليمها.
واستبعد خلال حديثه أن تنعكس الآلية الأزهرية الجديدة على تصاعد فتاوى التشدد أو السلفيين على الساحة الإعلامية، نظرًا لوجود لجان علمية بحثية متخصصة تواصل عملها ليلاً ونهارًا، وترصد كل الفتاوى في وسائل الإعلام، وتقوم بالرد عليها دون أن تفسح المجال أمام أي فتاوى يشوبها الغموض.

قلق لدى علماء الدين
وأكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هناك انزعاجا وقلقا كبيرا لدى قطاع عريض من علماء الدين خاصة من أصحاب الرأى الحر، من مشروع قانون تنظيم الظهور الإعلامي لعلماء الدين داخل مجلس النواب.
وأوضح كريمة أن العلماء ليسوا ضد تنظيم المسألة، ولكن لا بد أن يراعى مشروع القانون مكانة العلماء وأن ينص فى الاختيار بمنح التصاريح على معايير معينة يكون العلم والكفاءة شرط الاختيار وليس أهل الثقة والعاملين بالمؤسسات، قائلا: لا بد أن ينص مشروع القانون فى الاختيار ومنح التصاريح على مبادئ معينة، فعلى سبيل المثال كل من يحمل شهادة الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية واللغة العربية وأصول الدين من حقه أن يحصل على تصاريح للظهور الإعلامي، وليس كما حدث فى قوائم الإفتاء باختيار شخصيات معينة واستبعاد الأخرى ممن يتوافر فيهم العلم والكفاءة.
وأشار كريمة إلى أن من حق مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية فى البلاد شن قوانين تنظم الأمور والمسائل فى مختلف القطاعات، وفي الوقت ذاته مرفوض بشكل تام ممارسة أى ضغوط تحمل فى طياتها أى تكميم للأفواه، مشددا على ضرورة أن يستهدف مشروع القانون محاربة الفتاوى الشاذة والأقوال الخارجة عن تعاليم الشرع، وذلك لأن رسالة علماء الدين من أساتذة الأزهر الشريف وغيرهم التصدى وبقوة للأفكار المتطرفة التى تحاول الجماعات المتطرفة زرعها فى نفوس بعض الشباب تنفيذا لأجندات دولية تحت عباءة الدين، والإسلام منها براء.

قرار صائب لتنظيم الظهور الديني
من جانبه قال ماهر فرغلي، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، في تصريح خاص لـ" المشهد العربي"، أن تنظيم ظهورعلماء الدين، سينعكس تنظيميًا بنتائج إيجابية، على الصورة التي يظهر بها الأزهر، وعلى الرسالة المكلف بها باعتباره أكبر وأعرق مؤسسة دينية في العالم.
وأضاف فرغلي، أنه ليس كل من ينتمى للأزهر معنيًا بالظهور إعلاميًا، فمن منح ترخيصًا لمخاطبة الناس في المساجد، ليس بالضرورة أن يخرج على عدد كبير من الجمهور عبر الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية وغيرها، بفتاوى ربما لا تتفق مع الزمان والمكان، ما ينعكس على الأزهر بصورة غير إيجابية”.
وألمح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إلى أن البعض من رجال مؤسسة الأزهر أصابهم الركود والتكلف، مشيرًا إلى أن “هذه الإجراءات من شأنها المساهمة في تجديد الخطاب الديني بشكل يرتكز على الاعتدال والوسطية والاتزان.

غرامة مالية تصل مائة ألف جنيه
ويشار إلى أن مشروع  قانون تنظيم الظهور الإعلامي يحمل توقيع أكثر من 81 نائباً في البرلمان، وينص المشروع على كل مؤسسة إعلامية التحقق من حصول عالم الدين على ترخيص سارٍ قبل السماح له بالظهور إعلاميا للحديث في الشأن الديني.
وحدد مشروع القانون غرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه، لكل من قام بالتحدث في وسائل الإعلام، دون الحصول على ترخيص، أو أثناء إيقاف أو سحب الترخيص، وتضاعف العقوبة في حالة العودة مرة أخرى للظهور.
ووضع مشروع القانون شروط الحصول على الترخيص لظهور علماء الدين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، للحديث في شؤون الدين؛ بأن يكون مصري الجنسية، وحاصلا على مؤهل علمي من جامعة معتَرف بها، له صلة بالعلوم الدينية الشرعية، واجتياز امتحان إجازة الخطابة الدينية، وألا يكون قد سبق الحكم عليه في جنحة أو جناية تفقده الثقة والاعتبار، واجتياز الاختبارات التي تحددها لجنة الشؤون الدينية بالنواب.

سحب الترخيص إذا أبدى رأيا مخالفا لصحيح الدين
كما ينص القانون أيضاً على إيقاف الترخيص أو سحبه، إذا أبدى رأيا مخالفا لصحيح الدين، أو منافيا لأصوله أو مبادئه الكلية المعتبرة، إذا ترتب على آرائه إشاعة الفتنة بين أبناء الأمة.
ووافقت لجنة الشؤون الدينية في البرلمان على أن تعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه كل قناة فضائية أو مؤسسة إعلامية استضافت عالم دين غير حاصل على ترخيص، وتضاعف الغرامة في حالة الظهور مجدداً، واشترطت ضرورة الحصول على رأى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، باعتباره المسؤول عن القنوات الفضائية في ذلك الأمر.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتور سعد الدين الهلالي، كان أول المتقدمين للحصول على هذا الترخيص، وذلك تنفيذًا لقرار رئيس جامعة الأزهر رقم 1224 لسنة 2018، الذي صدر تفعيلًا لنص لائحة قانون الأزهر 103 لسنة 1961.