أبو الغيط : الجامعة العربية تولي اهتماماً كبيراً لقضايا الطفل بالمنطقة
الخميس 7 مارس 2019 19:24:29
قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن السنوات الماضية شهدت اهتمامًا متزايدًا من قبل الجامعة بقضايا الطفل فى المنطقة العربية والنهوض بأوضاعه وإنفاذ حقوقه، بما يراعى مصلحته الفضلى وبما يتماشى مع حقوقه الأصيلة والمكفولة له فى الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية.
ونوه أبو الغيط، فى كلمته اليوم الخميس، فى افتتاح أعمال فعالية إطلاق دراسة "عمل الأطفال فى الدول العربية" بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، إلى اتفاقية حقوق الطفل التى صادقت عليها كافة الدول العربية وكذلك البروتوكولات الإضافية الملحقة بها، والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، بالإضافة إلى "أجندة التنمية المستدامة 2030" التى اعتمدها قادة العالم فى سبتمبر 2015 فى قمة أممية تاريخية.
وقال"أبو الغيط" :"نجتمع اليوم لمناقشة قضية مهمة تؤرق مجتمعنا العربى وهى قضية عمل الأطفال والتى تعتبر عنفًا ممارسًا ضد هؤلاء الأطفال ويحرمهم من حقوقهم الأساسية فى التمتع بالحياة الطبيعية فى سنواتهم الأولى من أعمارهم، تلك السنوات التى تعتبر الأهم فى تشكيل شخصياتهم وسلامة بنيانهم العقلى والنفسي، إلى جانب حرمانهم من التعليم والصحة والحماية والنماء، فضلًا عن ازدياد هذه القضية خطورة فى ظل ما تمر به عدد من دول المنطقة من إرهاب ونزاعات وحروب مسلحة".
ولفت "أبو الغيط" إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن معدّل انتشار عمل الأطفال فى البلدان المتأثّرة بالنزاعات المسلّحة أعلى من المتوسّط العالمي، كما أنّ معدّل انتشار العمل الخطر يزيد بنحو 50% فى البلدان المتأثّرة بالنزاعات المسلّحة منه فى العالم بأجمعه.
وأشار إلى حجم التراجع والانتكاسات التى أصابت حقوق الأطفال فى الفترة الأخيرة نتيجة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما صاحبها من لجوء ونزوح وتشتت للأسر، الأمر الذى كان له انعكاسات سلبية على الأطفال، فضلًا عن التحديات الكبرى المترتبة على هذه الظروف الصعبة من عدم الالتحاق بالتعليم وعدم الحصول على الخدمات الصحية المناسبة، بل وتفشى عدد من الأمراض التى تم القضاء عليها نهائياً فى سنوات سابقة، وسوء التغذية، والزواج المبكر والزواج القسرى وعمل الأطفال فى أعمال خطرة.
وقال "أبوالغيط" إنه جاءت على رأس هذه التحديات تجنيد الأطفال وإشراكهم فى عمليات مسلحة أو أعمال ترتبط بالنزاعات بلغت ذروتها فى جمع ونقل المؤن والأسلحة للجماعات المسلحة، وجمع أشلاء الموتى، ما يجعلنا نضيف إلى قائمة الحقوق التى ننادى بها لأطفالنا "الحق فى الطفولة" حيث تترك هذه التحديات بصمات غائرة لا يمكن التخلص منها بسهولة لدى كل طفل شاءت الظروف أن يتعرض لها.
وأوضح أن قضية عمل الأطفال هى قضية متعددة الجوانب، فبالإضافة إلى الجوانب الحقوقية، هناك العديد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لهذه القضية التى تشكل حائلًا دون القضاء على هذه الظاهرة المتفاقمة.
وأكد أن هناك عددًا من الأولويات التى يجب العمل عليها ومنها على سبيل المثال محاربة الفقر، والتمكين الاقتصادى للأسرة، مشيرًا إلى أن الدول الأكثر فقرًا تسجل معدلات أعلى لعمل الأطفال، كما أن هذه المعدلات هي، بشكلٍ عام، أعلى فى المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية، ويرتبط كذلك عمل الأطفال ارتباطًا وثيقًا بالتسرب المدرسى حيث إنّ الأطفال العاملين الذين يرتادون المدرسة يميلون إلى العمل لساعات أقلّ من غيرهم.
وقال "أبوالغيط" إن الطفل العامل وخاصة فى الأعمال المصنفة كأسوأ أشكال عمل الأطفال وفى الأعمال الخطرة، هو طفل يتم اغتيال أحلامه كل يوم وكل ساعة، فهو يجد نفسه يعمل فى ظل ظروف خطرة لا تتناسب مع بنيانه الجسمى أو تكوينه النفسي، أو يجد نفسه مرغمًا على حمل سلاح بدلاً من تواجده فى المدرسة مع أقرانه أو استمتاعه بأبسط حقوقه المكفولة له، مشيرًا إلى أن هذا الطفل مازال يحلم بأن يعيش طفولته كسائر أطفال العالم.
وأضاف "أبوالغيط" أنه فى هذا السياق جاءت مبادرة الجامعة العربية ومن خلال هذه الشراكة المقدَّرة مع الجهات الدولية والإقليمية ذات العلاقة، لإعداد هذه الدراسة المهمة التى تلقى الضوء على الاتجاهات والخصائص الرئيسية لعمل الأطفال فى المنطقة العربية، وتسلط الضوء على عدد من التوصيات بهدف معالجة هذه المسألة.
وأعرب "أبو الغيط " عن تطلعه إلى المضى قدمًا فى تنفيذ ما جاء بتلك الدراسة من توصيات ووضع خطة عمل تنفيذية من أجل تسليط الضوء على التحديات وتقييم كافة الإنجازات التى تقوم بها الدول العربية للقضاء على عمل الأطفال.
تجدر الإشارة إلى أنه تم اعتماد "دراسة عمل الأطفال فى الدول العربية" خلال الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية التى عقدت فى لبنان 20 يناير الماضي، كوثيقة استرشادية لدعم جهود الدول الأعضاء للقضاء على هذه الظاهرة.
وتهدف الدراسة التى تم إعدادها من جانب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والمجلس العربى للطفولة والتنمية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، إلى تقدير حجم ظاهرة عمل الأطفال فى الدول العربية، وإجراء تقييم دورى للإنجازات والتحديات التى تواجه هذه الظاهرة فى المنطقة العربية وأيضا كوثيقة استرشادية لدعم جهود الدول الأعضاء للقضاء على هذه الظاهرة.
يشار إلى أنه كان قد تم إقرار تلك الدراسة من قبل مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب فى دورته (38) فى ديسمبر 2018 فى شرم الشيخ، وذلك تنفيذًا لتوصيات لجنة الطفولة العربية فى دورتيها (21 و22) لعامى 2016 و2018، والتى نصت على "إعداد دراسة كمية ونوعية لرصد حالة عمل الأطفال فى الدول العربية، وإجراء تقييم دورى للإنجازات والتحديات التى تواجه هذه الظاهرة".
وتأتى أهمية هذه الدراسة الإقليمية إدراكًا لخطورة هذه القضية فى ظل المتغيرات والمستجدات الراهنة التى تواجهها المنطقة العربية، وما شهدته من تزايد فى الاستخدام المباشر وغير المباشر للأطفال (كأسوأ أشكال عمل الأطفال فى قطاعات العمل، وفى الأنشطة غير المشروعة بما فى ذلك الإتجار واستخدامهم فى الأعمال الخطرة)، وتفاقمها فى الدول التى تعانى من الاحتلال والإرهاب والنزاعات المسلحة نتيجة ظروف عدم الاستقرار وحالات اللجوء والنزوح التى تشهدها هذه الدول، والتى أوجدت قضايا ناشئة فى المنطقة العربية منها: تجنيد الأطفال أثناء النزاعات المسلحة.
وتتضمن الدراسة ستّة فصول، يستعرض الفصل الأوّل منهجية الدراسة ويقدّم لمحة عامة عن مصادر المعطيات الإحصائية وعن التحدّيات والمعوّقات التى واجهتها الدراسة على هذا الصعيد، فى حين يقدم الفصل الثانى تعريفًا موجزًا لعمل الأطفال وفقاً للمعايير العربية والدّولية ويُبرز أثر الأحكام القانونية الوطنية على تعريف عمل الأطفال وعملية قياسة.
ويحلل الفصل الثالث الاتجاهات والخصائص الرئيسية لعمل الأطفال فى المنطقة العربية، بينما يتناول الفصل الرابع ظاهرة عمل الأطفال بحسب قطاع النشاط، ويستكشف الفصل الخامس أثر النزاع المسلّح على عمل الأطفال، ويخلص الفصل السادس إلى تحليل السياسات واقتراح توصيات بهدف معالجة مسألة عمل الأطفال فى المنطقة.
وسعت الدراسة إلى تقديم صورة عن مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال واتجاهاتها فى المنطقة العربية، حيث رصدت أهم خصائص ظاهرة عمل الأطفال، ومدى حجم الظاهرة فى قطاعات الإنتاج الأساسية، فضلًا عن الآثار السلبية للنزاعات المسلحة التى تشهدها عدد من الدول العربية وانعكاسها على ظاهرة عمل الأطفال، وذلك وفق منهجية ارتكزت على المعطيات الإحصائية والدراسة الوطنية وفقا لأحدث البيانات المتوفرة لدى الدول الأعضاء فى هذا الشأن، وعلى مراجعة التشريعات والاتفاقيات العربية والدولية حول عمل الأطفال فى المنطقة العربية.
وأكدت الدراسة أن المنطقة العربية تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية مشتركة ذات أثر على اتجاهات عمل الأطفال وخصائصه، مثل التباطؤ الاقتصادى العام، والتحوّلات الديمغرافية غير المكتملة، والبطالة بين الشباب، وانخفاض العائد على التعليم، وهى تواجه أيضًا تحدّيات متماثلة فيما يتعلّق بعمل الأطفال، ومن بينها على سبيل المثال: تحسين قدرات التفتيش على أماكن العمل؛ إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث، واستحداث قاعدة بيانات حول عمل الأطفال؛ والقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما فى ذلك الإتجار بالأطفال، والأعمال الخطرة؛ وتحديد أشكال عمل الأطفال "الخفيّة" ومعالجتها، كالخدمات المنزلية غير مدفوعة الأجر، والعمل المنزلي، وكذلك عمل الأطفال فى الزراعة والذى غالبًا ما يكون غير مدفوع الأجر خاصة ضمن المزارع العائلية.
وتُمثّل الدراسة خطوة أساسية لحث الدول الأعضاء على التدخل الفعال لدرء تفاقم هذه الآفة وذلك من خلال تطبيق الأطر القانونية والتشريعية، والعمل على وضع سياسات لتوفير الحماية الاجتماعية والحد من الفقر، ويحتاج ذلك لتكثيف جمع البيانات حول الظاهرة، باعتبارها انتهاكًا لحقوق الطفل التى كفلتها له الاتفاقية الدولية والبروتوكولات الملحقة، وذلك من خلال اتّخاذ تدابير فورية وفعّالة للقضاء على عمل الأطفال وكافة الظواهر السلبية الناتجة عنه، وضمان حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والقضاء عليها، بما فى ذلك تجنيدهم واستخدامهم كدروع بشرية، والعمل على إدماج مؤشرات مكافحة عمل الأطفال ضمن مؤشرات وآليات تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030.