مقبل .. كان دائما مٌقبل نحو أفق التغيير

علي صالح عباد (مقبل) أسم ارتبط ذكره في تاريخ الحركة الوطنية والسياسية الجنوبية بخاصة واليمنية بعامة.

منذ مرحلة دراستنا الأولى كنا نسمع ونردد ذكر اسم مقبل باستمرار في مراحل الدراسة (الابتدائية والإعدادية والثانوية)، ولاسيما عند ممارسة نشطانا في الاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن، ثم لاحقا في اتحاد الشباب، كنا حينها نتابع نشاط الدولة والحزب ونقيم نشاطاتنا التي تسير في إطار ذلك الاتجاه الواحد، وأذكر منها حلقات التثقيف التي كنا نقيمها باستمرار نعرض من خلالها مسيرة الثورة والحزب والقيادات السياسية، أتذكر هنا كتيب صغير " من وثائق الحزب" كان معنا باستمرار نقرأه في الحلقات التثقيفية من تأليف علي صالح عباد مقبل، رحمة الله .

 كانت أفكاره الأيدلوجية تلك بداية تفتح الذهنية السياسية لدينا، يذكر انه في تلك الفترة لا توجد مصادر غير ذلك الفكر الأيدلوجي، إذ لم توجد أي مؤلفات غير تلك المؤلفات الأيدلوجية على الأغلب، ومع مرور الزمن ظل علي صالح عباد مقبل ذلك السياسي المتمرس، رغم كل ما مر عليه من معاناة خلفتها طبيعة الصراعات السياسية المأساوية في تلك الحقبة التاريخية .

 ثم عاد مقبل للظهور بحسب متابعتي في العام 1993م عندما ظهر كمرشح للانتخابات البرلمانية ممثلا الحزب الاشتراكي اليمني في إحدى الدوائر الانتخابية في محافظة ابين ,وهي مرحلة جديدة ومتجددة من مسيرة التحولات الحديثة في اليمن، بعد إعلان الوحدة 1990م، إذ تسارعت الإحداث بعد هذا التاريخ ، كان مقبل نائب رئيس البرلمان اليمني الذي سجل فيه حضورا فاعلا عكس فيه رؤيته وآرائه حول القضايا المثارة في جلسات البرلمان اليمني، وكان صوتا قويا مؤثراً في مواجهه القوى والأفكار التي كانت تسير عكس منطق الحق، رافضاً تلك القوى ونهجها في الفساد والاستبداد والأقصأ، حتى جاءت الأزمة قبل حرب 1994م حمل مقبل خطاً واضحاً رافضاً للحرب والتصادم داعياً لمعالجة الأوضاع وفق منطق الحق والحوار المقبل على صنع المستقبل الآمن والمستقر. إلاّ ان مجريات الصراع كانت تسير عكس توجه مقبل وحزبه السياسي.

أعلن نظام صالح الحرب على الجنوب وشريكه في الوحدة وبقى مقبل لازماً مكانه في منزله بصنعاء وحين فتك نظام صالح المستبد بعد اجتياحه الجنوب 1994م، حاول مقبل ان يعمل كل ما في وسعه في مواجهة نظام صالح وتمسك بحزبه السياسي رغم محاولة صالح اختطاف الحزب إلاّ ان مقبل وقف حارسا صلبا في متراسه مدافعاً عن الحزب. وتم انتخابه أمين عام للحزب في تلك الفترة الحرجة.

أتذكر في ذلك الوقت الذي خيم فيه الصمت والخوف والإذعان للمنتصر في حرب 1994م، وعندما كان لم يستطيع أي شخص ان يقف في وجه طغيان النظام ولو بقول كلمة الحق، كان مقبل الثائر كعادته أول من وقف يدشن مرحلة جديدة تنطلق فيها الأصوات الصامتة وتعلن التمرد عن الاستبداد وتكميم الأفواه وقول كلمة الحق. جاء ذلك في كلمته الواضحة والقوية التي ألقاها في حفل تأبين النعمان.

كنت قد تعرفت على مقبل عن قرب بعد حرب 1994م وتحديد بعد مرور ثلاث اشهر تقريبا حاولنا مجموعة من الشباب والطلاب الجامعيين في عدن إعادة تنشيط عملنا الشبابي والطلابي، حيث كنت اشغل نائب رئيس المجلس المركزي للطلاب ومسؤول العلاقات الخارجية إلى وقت الحرب، يذكر ان نظام صنعاء بعد الحرب اعلن حل كل النقابات في الجنوب - بما فيها المجلس المركزي للطلاب -وتحديدا التي كانت تابعه أو مرتبطة بالحزب الاشتراكي أو النظام السابق في الجنوب، علماً ان المجلس المركزي للطلاب في عدن لم يتوحد مع اتحاد طلاب الجمهورية العربية اليمنية في تلك الفترة التي شهدت فيها أنصها وتوحيد بعض المنظمات، حيث كنت احد أعضاء اللجنة التحضيرية وبسبب الانقسامات داخل ما كان يسمى بالدورة الرابعة والدورة الخامسة في الحركة الطلابية في صنعاء تعثر توحيد الطلاب.

 ورغم ما مورس علينا بعد الحرب من تعسف إلاّ اننا حاولنا إعادة إحياء نشاطنا وتواصلنا بشخص الأمين العام للحزب الاشتراكي مقبل واستدعاني للذهاب إلى صنعاء لمقابلته وأتذكر قابلته في مكتبه بمجلس النواب حينها وتحدثنا عن الحرب وأثارها على أبناء الجنوب والأخطاء التي وقع فيها الطرف الجنوبي فكان مقبل يرى ان نستمر في نضالنا رغم كل ما يمارس ضد أبناء الجنوب، كان يحدثني بلغة الأساسي المحترف مستعرضا طبيعة تعقيدات المرحلة، موضحا أسفه بان الكثير من رفاقه لم يستوعب تلك التحديات.

مقبل عقلية عميقة تُحترم وبحكم إعجابي بشخصيته كنت دائما على تواصل هاتفيا معه أخرها وهو طريح الفراش قبل بضعت أشهر وكتبت حينها تغريده على صفحتي دعيت فيها رفاقه السابقون المتواجدون في الخارج إلى إنقاذه والاهتمام في علاجه اما السلطة كنت على يقين انها لم تقوم بشي.

 اليوم نودع هذا المناضل الجسور وقبلة كثيرا غادروا حياتنا إلاّ ان أعمالهم ومأثرهم ستبقى مع الإحياء دروسا في التاريخ إذا اتقن تدوينها.

 كل ما أتمناه أن تولى المؤسسات البحثية والمؤسسية السياسية التي ينتمي لها مقبل اهتمامها في توثق تاريخه السياسي والفكري ليس على شكل الانطباعات والمرثيات التي تمتي بها صفحات الكتيبات التي عادتا توزع في اربعينيات وفاتهم. وانما التأصيل العلمي والمعلوماتي القائم على أسس ومنطلقات البحث العلمي لحفظ تاريخهم الشخصي والوطني والعلمي الذي يعطي الإنصاف لتلك الشخصيات من ناحية ، وتبقى دروسا في الذاكرة الوطنية بموادها وتاصيلها المفيدة من ناحية أخرى.