مت قاعدا..!

  يبحث المرء دائما عن التقدير عندما يدخل مرحلة (أرذل العمر)، وبدون هذا التقدير الذي يضمن له حياة كريمة يتحول المرء إلى بقايا من (سقط المتاع).
* أحوال المتقاعدين في (التنكة)، ليس لأن ظروفهم تصعب على الكافر الزنديق فقط، ولكن لأنهم بين ظهرانينا مغيبون جسدا وروحا.

* لا يطلب المتقاعدون تسوية مالية تليق بما قدموه للوطن، لكنهم يريدون العيش على الستر، بدلا من دفنهم أحياء حين يعيشون بين مطرقة هم الليل وسندان مذلة النهار.
* في الغالب يقضي المتقاعدون حياتهم في خدمة الوطن والثورة، يكدحون في الميدان الثوري للاقتراب من الأهداف الستة للثورة، وعندما يبلغون الأجلين يحالون على المعاش براتب حقير لا يساوي كيس سكر..

* أعرف متقاعدا عسكريا شريفا خاض كل مراحل التقلبات السياسية من مرحلة كسر العظام بين الرفاق إلى مرحلة شراء ذمم البني آدمين في عهد الوحدة، وحاليا يموت قاعدا وهو يقبض بأنف ذليل 28 ألف شهريا ثمن خدمته لوطن يأكل قانونه أبناءه كالقطة التي تأكل أولادها ..
* ظروف الناس صعبة في تربية (العيال) وفي توفير أبسط متطلبات الأسرة، والغلاء غول لا يرحم كبيرا ولا صغيرا، فكيف يستطيع المتقاعد الإيفاء بهذه المتطلبات وهو يشعر أنه عالة على بيته وعلى المجتمع الذي لا يرحم..؟

* تتعامل الدولة (القبلية) مع المتقاعد على أنه حصان ميري، لا يستحق من مال بيت الحكومة سوى (بقشيش) في نهاية رحلة العمر انتظارا لرصاصة الرحمة، ولا يرى القانون (المبندق) في المتقاعد إلا شحاتا عليه أن يتسول رحمة الناس قبل أن تنزل من رب السماء..
* وفي بلد حابله (الأطفال الرضع) ونابله (الشيوخ الركع)، يبقى قانون التقاعد أسيرا لنافذين يشكلون عجينته على حسب قربك من الشيخ (برقوق) أو النافذ (طفاح).

* بين جوانب الشرف الرفيع الذي يراق دمه من طرف (المتغولين) الحكوميين، ناس بلغوا الأجلين من زمان (الترك)، لكنهم لازالوا يتنقلون من ترقية إلى أخرى، ومن منصب إلى آخر حتى وهم يمشون على عكاز، والزهايمر يقودهم من الحقل التربوي إلى الحقل العسكري..
* وناس يادوب بلغوا حافة (الخريف) وتم تسريحهم بحجة اكتمال الخدمة، وبين الصورتين فوارق يشيب لها ريش ديك الجن..

* أصعب حاجة على الإنسان أن تلغي ملكاته وتصادر عمله ثم تختزل حياته متقاعدا بلا قيمة وبراتب حقير يدفعه للعن اليوم الذي هتف لوطن الوحدة: حيا بك وحيا بقبائلك، يا اللي ظلمك موز و قرارات تقاعدك برقوق ولوز..
* من حق المتقاعد الذي هبطت قيمته إلى أسفل السافلين أن يشكي ويبكي، وهو يعلم أن قانون التقاعد يستهدف الطبقة المنتجة والفاعلة، وأن هذا القانون يلبس برقع (نادية الجندي) أمام قيادات (قبلية) وحزبية تأكل لحوم البشر كما هو حال بالدببة السيبيرية..

* شيء سيء وغير إنساني أن يعيش المتقاعد في المجتمع  كمتاع لا قيمة له، يموت كل يوم بدل المرة ألفا، فيما طاعنون يلهفون ويمتصون خيرات البلد، فقط لأنهم من أصحاب الحظوة ومن ذوات الدماء الزرقاء، وليس من طبقة عسكري شجاع دافع عن البلد ثلاثين عاما، ثم تكون نهايته المأساوية الموت متقاعدا..!​