همس اليراع
على من يتستَّر الأستاذ عبد الله الحكيمي؟؟
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
الذين تابعوا مقابلة الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي الشخصية السياسية اليمنية المعروفة، مع قناة الجزيرة ضمن برنامجها الأسبوعي "بلا حدود" مع المذيع جلال شهده لاحظوا أن الأستاذ عبد الله قد حاول التظاهر بدور المحلل السياسي المهني والمحايد، لكنه فشل في إظهار مهنيته وحياديته من خلال استخدام نفس اللغة وذات المفردات الحوثية متحدثاً عن "دول العدوان" و"الجيش الوطني", و"اللجان الثورية" و"اللجان الشعبية" وغيرها.
هناك الكثير من النقاط تستحق التوقف عندها في حديث الاستاذ عبد الله، لكن قبل التعرض أهم هذه النقاط لا بد من التذكير بكل ما أحسب أن الجميع يعرفه وهو أن الاستاذ الحكيمي هو شخصية ناصرية عتيدة ينتمي إلى زمن الثورة السبتمبرية (أو على الاقل كان من شبابها في أيامها الأولى) وهي الثورة التي ضحى عشرات الآلاف من الجنود والضباط المصريين تحت قيادة الزعيم عبد الناصر بأرواحهم، في الدفاع عنها ضد الهجمة السلالية الملكية لذرية بيت حميد الدين الذين يقف اليوم ألأستاذ الحكيمي مدافعا عنهم وعن مشروعهم المقيت، وهو ما يفتح بوابة الأسئلة المتعددة التي ليس أولها كيف لناصري عتيد قضى جل عمره مدافعاً عن النزعة والشعارات الناصرية العروبية أن ينحاز إلى ألد خصوم هذه النزعة وشعاراتها؟ وليس آخرها: أين الوفاء مع دماء الشهداء المصريين الناصريين الذين لم يبخلوا بها في التصدي لنظام هذه السلالة التي لفظها الشعب اليمني والدفاع عن الجمهورية التي فشل السياسيون اليمنيون في تحقيق أهدافها على الأرض؟
ومع ذلك فإنني سأكتفي بالتوقف عند النقاط الاساسية التالية
1. يقول الأستاذ الحكيمي: إن الحوثيين يصنعون اسلحتهم بأنفسهم وأن إيران لا تتدخل في ما يدور في اليمن، فهي محاصرة وحدها ولا تربطها أي حدود برية ولا بحرية مع اليمن، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا أحد يعاتب الأستاذ الحكيمي لوقوفه إلى جانب الحركة الحوثية ودفاعه عن إيران ومخاصمته للأشقاء في السعودية والإمارات، فهو حر في كل موقف يتخذه، لكن ما نلومه عليه هو محاولته الاستخفاف بعقول المتابعين وعلى وجه الخصوص ضحايا الحركة الانقلابية البغيضة، سواءٌ أثناء تحالف الرئيس المخلوع معهم أو بعد تصفيته من قبلهم، فالأستاذ عبد الله يقول أن الحوثيين لم يحتلوا صنعاء ولم يستولوا على السلطة إلا لملء الفراغ الذي تركته استقالة رئيس الجمهورية الفريق عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة الأستاذ خالد محفوظ بحاح، مما اضطرهم (المساكين) إلى تشكيل اللجنة الثورية وما إلى ذلك من الكلام الذي لا يصدقه حتى الأطفال من أهل صنعاء.
لندع هذا جانباً ونتحدث عن الجرائم التي ارتكبها التحالف الانقلابي قبل عاصفة الحزم، ولا أخال صديقنا الاستاذ عبد الله يجهل أن الحوثيين متحالفين مع الرئيس السابق صالح وبعد احتلالهم صنعاء شرعوا في إسقاط المحافظات واحدة تلو أخرى. . . صحيح لم تقاومهم محافظات الشمال، ويتذكر كل من تابع تسلسل الأحداث مقولة محافظ تعز حينها شوقي هائل سعيد الذي قال "إن الحوثيين لم يدخلوا تعز إلا كمحطة ترانزيت" ويومها تساءل كاتب هذه السطور: ترانزيت إلى اين؟ إلى جيبوتي أم إلى الصين؟ وقد كشف حديث ذلك المحافظ أنه ليس الحوثيين وعفاش وحدهم من يستهدف الجنوب، ولكن حتى أولائك الذين بنوا العديد من المصالح العملاقة في الجنوب (كمستثمرين) لم ينبسوا ببنت شفة اعتراضا على غزو الجنوب وتدميره مرةً ثانية، إن لم نقل كانوا شركاء مع التحالف الانقلابي في ترسيخ الانقلاب العسكري والسياسي . . . هذا القول لا يمنعني من إبداء احترامي الكبير لأصدقائي من أولاد هائل سعيد الذين لا أتذكر لهم إلا تلك الأيادي البيضاء في دعم المحتاجين ونجدة المستغيثين.
وحتى لا نخرج عن الموضوع نعود إلى ما فعله الحوثيين وشركاؤهم بالجنوب والجنوبيين في عدن وجاراتها، فلقد عرفت عدن من الجرائم وأعمال التوحش على أيدي التحالف الانقلابي ما لم تعرفه طوال تاريخها من صراعات عسكرية من غزوة الكبتن هنس، فقد كان كل جسم حي في عدن والمدن المجاورة، حيوناً كان أم إنسانا، رجلاً كان أم امرأة، مسناً كان أم طفلا، هدفاً (مشروعاً) لقذائف ورصاص ومتفجرات المليشيات الحوثية العفاشية، ولا أدري كيف سيبرر الصديق الناصري العتيد هذه الجرائم؟ هل إنها كانت ضمن خطة ملء الفراغ؟
2. يقول الأستاذ عبد الله إن إيران قد نجحت في إدارة نفسها ومشروعها ودول التحالف العربي تغار منها ولذلك تحرض الدول "الإمبرايالية" حسب تعبيره على المشروع الإيراني، مشدداً أن إيران ليس لديها وكلاء في المنطقة العربية.
لن أناقش صديقي الاستاذ الحكيمي حول قوله أن إيران نجحت في إدارة مشروعها وأن "دول العدوان" كما أسماها، تغار من هذا النجاح إلى آخر ما احتواه هذه الحديث من مضامين متناقضة، لكنني سأتحدث عن إنكار الاستاذ الحكيمي لوجود وكلاء لإيران في المنطقة العربية.
وبهذا الصدد أذكر الاستاذ عبد الله بما ورد على لسان حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان الذي قال فيه "يا زلمه نحن نقولها بالفم المليان أن مصارينا وأكلنا وشربنا وسلاحنا وصواريخنا وذخيرتنا ومرتباتنا كلها جايه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونقطة عالسطر".
لندع لبنان َوحزب الله جانبا، ونذكر الأستاذ العزيز أن اسابيع ما قبل عاصفة الحزم شهدت خلال كل اسبوع ١٤ رحلة للطيران الإيراني بين طهران وصنعاء وهي رحلات لم تكن تحمل سوى الصواريخ المفككة وأجزاء الطائرات المسيرة، ومعها الخبراء الذين يتولون إعادة تركيب تلك الوسائل التدميرية وترسلها لقتل المواطنين اليمنيين واستهداف مدن دول التحالف، فضلا عن نقلها لأطنان من الوثائق والمستندات والبيانات والأرقام والمعطيات الاستخبارية والسياسية التي تمس السيادة اليمنية وأسرار حكوماتها المتعاقبة. . . سيقول الاستاذ الحكيمي وغيره هذه حرب مواجهة وكل شيء فيها مشروع، نحن هنا لا نتحدث عن المشروع والممنوع، ما نتحدث عنه هو التستر على جرائم إيران التي لم تدع دولة عربية إلا واستحدثت فيها وكلاء معلنين وسريين، أفرادا وتنظيمات، مليشيات وجماعات مسلحة: من البحرين والكويت والسعودية إلى العراق وسوريا ولبنان ووصل الأمر إلى مصر وليبيا والمغرب والسودان، ثم يأتي صديقنا الناصري العتيد ليحاول إقناعنا بأن إيران ليس لها وكلاء في اليمن، مستحضرا مقولة الرئيس السابق: إيران لا تدعمنا ونتمنى ان تدعمنا، وقد دعمته حتى النهاية، كما عرف الجميع.
3. نأتي لثالثة الأثافي وهي قول الصديق عبد الله الحكيمي أن خريجي الاتحاد السوفييتي َودول المعسكر الاشتراكي سابقا هم من يصنعون الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة للحوثيين.
هذا القول يرمي إلى عدة أهداف أولها التهرب من الإجابة الحقيقية علي السؤال من اين يحصل الحوثيون على اسلحتهم الثقيلة والمتوسطة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة؟ والثاني تعمد التشهير بشريحة كبيرة من خريجي المدرسة العسكرية، القادمة من البلدان الاشتراكية، وساتجنب الحديث عن كوادر الجيش الجنوبي الذين جميعهم من خريجي المدارس والأكاديميات العسكرية الاشتراكية، ولم يكن خريجي هذه المدارس في الشمال إلا قلة قليلة، وأشير إلى أن هؤلاء إلى جانب دراساتهم العسكرية الصرفة، درسوا من ضمن ما درسوا العقيدة العسكرية القائمة على الدفاع عن مصالح الشعوب، والنزوع إلى التقدم والنهوض والعدالة الإنسانية والمواطنة المتساوية، والرافضة للرجعية، بمعنييها الاصطلاحي واللغوي الذين يعنيان العودة إلى انظمة القرون الوسطى التي يمثل الحوثيون نموذجا جلياً لها، وهذا القول لا ينفي تعرض الآلاف من هؤلاء للإقصاء والاستبعاد من قبل نظام علي عبد الله صالح، الذي تحاشي الصديق الحكيمي الإشارة إليه، وما يزال الكثيرون منهم ضحايا الإقصاء من قبل الشرعية التي ورثت علي عبد الله صالح، ومع ذلك لم يسمحوا لانفسهم بيع ضمائرهم وخبراتهم لمن يدفع أكثر، بل فضلوا البقاء في منازلهم راضيين بالعسش الكفيف، وانخرط الكثير منهم في المقاومة الطوعية المسلحة للغزو (الحوفاشي) للجنوب وتععز والمناطق الوسطى، وإذا كانت هناك قلة قليلة وقفت في صف الانقلاب ، ومعظم أفرادها من الجيش الشمالي الذي ظل ولاؤه للرئيس يلغي ولاءه للوطن، فإن هذه القلة لم تنجح في تقديم اي خدمة للحوثية والحوثيين ببساطة لأنها لم تتعرف على هذا النوع من الأسلحة الحديثة والتي بعضها لم يكن موجوداً زمن تلقي هؤلاء الدراسة في البلدان الاشتراكية (السابقة) وكل ما استطاعته هو تبوء بعض المواقع التي لا نفعوا الحوثي فيها ولا خدموا انفسهم بهذا التواطؤ الغبي، والحمد لله انهم لم يتجاوزوا أصابع اليدين.
الأسناذ الحكيمي يعرف جيدا انه إلى جانب ما صدرته إيران من خبرات واسلحة مفككة بعيد الانقلاب (قبيل عاصفة الحزم)، هناك عشرات القوافل التي تم ضبطها في الطريق بين صحاري المهرة وحضرموت وبين صنعاء مرت على النقاط التي تسيطر عليها الفيالق العسكرية الموالية للشرعية من ألوية عفاش (سابقاً ولاحقاً) ويعلم الجميع أن أضعاف الأضعاف مما تم كشفه قد وصلت إلى صنعاء بعلم ودراية قيادات الألوية العسكرية الرابضة في تلك المناطق والتي تدعي نصرتها للشرعية، (وكل شيء بثمنه)،. . . . فعلى من يتستر الأستاذ الحكيمي؟ أعلى إيران وأسلحتها الني تدخل عبر سواحل بحر العرب َوخليج عدن عابرةً صحاري حضرموت والمهرة؟ أم على تلك الالوية التي ناصرت عفاش بعد الانقلاب، ثم ناصرت الشرعية ثم واصلت وتواصل تهريب الاسلحة للحوثيين ثم تباكت علي عفاش بعد تصفيته وهي اليوم تواصل خذلانها للرئيس عبد ربه منصور هادي رغم كل ادعاء نصرتها له ولن تتردد يوما عن إعلان التمرد عليه إذا ما تلقت الأوامر بذلك؟
احد الظرفاء علق على هذه الجزئية بالقول:وهل تريد من الاستاذ الحكيمي أن يفضح من يتواطأ مع أصحابه ويسهل لهم الحصول على الأسلحة النوعية؟ إن اتهام خريجي البلدان الاشتراكية هو الوسيلة الأرخص والأسهل حتى لو لم يمت للحقيقة بصلة.
4. وأخير كان أطرف ما ورد على لسان الصديق الأستاذ عبد الله الحكيمي هو مطالبته بعدم استبعاد حزب الإصلاح من أي حوار يهدف إلى الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن، واتهامه لدول التحالف العربي بمخاصمة التجمع اليمني للإصلاح، وهو يعلم أن التجمع هو من يتمتع بنصيب الأسد من صناعة القرار الرئاسي من خلال المستشارين وموظفي الرئاسة وجهاز الدولة العميقة في بنية الحكومات الشرعية وأن الجميع يتقرب من الإخوة في الإصلاح كي يتصدقوا عليه بمنحة علاجية أو ماهية شهرية أو وظيفة حكومية عبر رئاسة الجمهورية، وأن لديهم الاستعداد أن يفتكوا بكل من يخالفهم الرأي عبر سلطتهم التي تحيط برئيس الجمهورية ومؤسسة الرئاسة إحاطة السوار بالمعصم، كما يعلم الأستاذ عبد الله أن الإخوة في الإصلاح هم الوحيدين الذين يحظون بدعم الأشقاء في السعودية والأشقاء في قطر والأشقاء في تركيا، وهو ما لم يحظ به أي حزب سياسي في اليمن، حتى حزب الرئيس صالح الذي غدا جزءٌ منه اليوم جزءً من التحالف السياسي اليمني (المؤيد) للرئيس هادي وحظي نائب أمينه العام برئاسة ما تبقى من البرلمانيين من مؤيدي الرئيس هادي، وما كان ليفوز بها لولا دعم الكتلة البرلمانية للإصلاح.
وقبل اختتام هذه التناولة إشير إلى أن ما تعرضت له هنا لا يلغي احتفاظي بكثير من الود والاحترام للصديق الاستاذ عبد الله سلام الحكيمي الذي ظللنا وما نزال على تواصل معه منذ اليوم الأول لخطيئة 21 سبتمبر الكارثية عام 2014م