أزمة الثقة بغريفيث هل هي في طريقها إلى الحل؟
د. محمد علي السقاف
- قمة أوروبية في كييف ماذا تعني؟
- «الحلم الصيني» باستعادة تايوان
- «الناتو»... من «الموت السريري» إلى «عودة الروح»
- صراع الكبار يقوض مهام الأمم المتحدة
وصلت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، السيدة روزماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية إلى العاصمة السعودية الرياض، للاجتماع بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين في الحكومة اليمنية للتباحث حول موضوع التعامل مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والضمانات التي تطالب بها الحكومة اليمنية بشأن التزام المبعوث الأممي بقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالأزمة اليمنية، ومرجعيات الحل السياسي في اليمن.
ومن المؤمّل، بوصول وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، إلى المملكة العربية السعودية، أن يحدث انفراج في الموقف المتأزم بين الشرعية والأمم المتحدة.
فبعد أن التقت المسؤولة الأممية مع وزير الخارجية السعودي السيد إبراهيم العساف، والأمين العام المساعد للشؤون السياسية في مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد العزيز العويشق، أعرب كلاهما عن دعمه لعمل الأمم المتحدة في اليمن وجهود المبعوث الخاص للأمين العام مارتن غريفيث. والتقت السيدة ديكارلو بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حيث ناقشا عمل المبعوث الأممي غريفيث، والطريق إلى الأمام لتنفيذ اتفاق السويد والعودة إلى الحوار للتوصل إلى حل سياسي للنزاع على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها... وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وحسب ديكارلو وفق ما نشرته «أخبار الأمم المتحدة» فإن المناقشات كانت مثمرة، حيث شكرت الرئيس هادي لالتزام حكومته بالتنفيذ الكامل لاتفاق السويد، ولم تذكر النشرة الأممية عزم ديكارلو على زيارة صنعاء للقاء ممثلي (أنصار الله) الحوثيين، وهذا في حد ذاته يعد لفتة إيجابية في اتجاه الشرعية اليمنية.
هل هذه الأزمة بين الشرعية اليمنية والأمم المتحدة مجرد سحابة صيف عابرة أم أزمة ثقة؟ وما أسباب ذلك؟
ففي شهر مايو (أيار) الماضي، أكد الرئيس هادي في رسالة وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، أنه لن يقبل باستمرار التجاوزات من المبعوث الأممي لليمن غريفيث، التي تهدد بانهيار فرص الحل السياسي الذي يتطلع إليه الشعب اليمني. واعتبر ما جاء في إفادة غريفيث لمجلس الأمن في 15 مايو نموذجاً لـ«للخرق الفاضح» للتفويض الذي منحه له الأمين العام، بعد أن قام علانيةً بالإشادة بمجرم حرب (عبد الملك الحوثي) وتقديمه كحمامة سلام، وهو ضمن العقوبات التابعة للأمم المتحدة.
وما زاد الموقف حسماً إزاء الأمم المتحدة أن البرلمان اليمني الذي عاد بعد غياب سنوات إلى الظهور وجّه الحكومة بعدم التعاطي مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، حتى يلتزم بعدم مخالفة القرارات الأممية ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 2216 لعام 2015، وتنفيذ اتفاق السويد نصاً وروحاً.
كيف يمكن تقييم هذه الأقوال التي جاءت ضد غريفيث ومدى دقتها؟
بالرجوع إلى النص الرسمي الصادر من مكتب المبعوث الخاص غريفيث حول إفادته بتاريخ 15 مايو الماضي، أشاد المبعوث الأممي بالحوثيين.
وفي حديثه عن الشرعية اليمنية أكد أن «الحكومة اليمنية كانت ثابتة في تأكيد التزامها بإعادة الانتشار على النحو المتفق عليه في المرحلة الأولى. إن هذا أيضاً موضع ترحيب كبير. أنا ممتن جداً للرئيس هادي لقيادته المستمرة، وهو ملتزم شخصياً بالتنفيذ الكامل لاتفاق الحديدة وكثيراً ما أصرّ على الأهمية القصوى لعمليات إعادة الانتشار».
من الواضح أن هناك اختلافاً كبيراً في استخدام المفردات في اتجاه الحوثيين ورئيس الشرعية وحكومته، وهذا أمر طبيعي وملزم في طريقة التعامل مع الشرعية المعترف بها من قِبل قرارات مجلس الأمن والمجتمع الدولي، ولكنه من الطبيعي أيضاً استخدام عبارات لائقة مع طرف غير معترف به دولياً، ولكنه طرف أساسي من أجل حل الأزمة.
كان الرد الصريح من الأمين العام للأمم المتحدة على رسالة الرئيس هادي أنّه أكد ثقته بمارتن غريفيث، وأن المبعوث الخاص سيضاعف جهوده لدعم الطرفين الحكومة و«أنصار الله». بما لديه من خبرة واسعة في حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية وأحد أهم الخبراء الدوليين في الشؤون العربية.
والمسألة هنا أن عدم ارتياح الشرعية إزاء غريفيث ليس بجديد، فقد سبق في مناسبات ماضية أن انتقد وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، المبعوث الأممي في تصريحات أدلى بها لصحيفة «الشرق الأوسط» ذكر فيها إن خطة المبعوث الخاص لإعادة الانتشار هي نفسها التي قدمها الجنرال لوليسغارد في 8 فبراير (شباط) الماضي والتي رفضت الميليشيات في ذلك الوقت قبولها، مشدداً على مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة الأخلاقية، والتزامه أمام الرئيس اليمني بأن مؤسسة الدولة ستعود إلى الحديدة. وبعد فترة قصيرة بعد هذا التصريح توجّه الوزير نفسه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بخطاب احتجاجي في 20 مارس (آذار) الماضي ضد مبعوثه إلى اليمن مارتن غريفيث وطاقمه الأممي في صنعاء، بسبب تواطئهم مع الميليشيات الحوثية في موضوع بحث إجراءات نقل آليات التفتيش والتحقق الأممية من جيبوتي إلى ميناء الحديدة.
وبالطبع من حق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة انتقاد أداء المبعوثين الدوليين، إذا لزم الأمر، في طريقة القيام بمهامهم، إلا أنه في الحالة اليمنية يبدو الأمر مختلفاً، فهناك الشرعية، وهناك الجانب الآخر غير الشرعي.
مؤخراً اتهم أحدُ أطراف الأزمة الليبية، المبعوثَ الأممي في الأزمة الليبية زميل الدراسة الدكتور غسان سلامة، بعدم الحيادية في طريقة التعامل معهم، مقارنةً بتعامله مع الطرف الآخر، ولكن في النهاية توصلوا إلى حل وتسوية علاقتهم بالدكتور غسان سلامة.
فهل من المؤمَّل أن يحدث الشيء نفسه أم أن الأزمة اليمنية أكثر تعقيداً من الأزمة الليبية؟
وهل نتيجة لوجهات النظر بين بعض أطراف الشرعية حول كيفية التعاطي مع مهمة غريفيث في اليمن والانتقادات الموجّهة إليه قد تتطلب فتح صفحة جديدة معه ومع الأمم المتحدة إلى ابتعاد البعض عن المشهد الخارجي؟