همس اليراع
حرب السفن
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
للمرة الثانية خلال أقل من شهر تتم عمليات تفجير سفن تجارية في خليج عمان أمام سواحل الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ودولة عمان الشقيقتين.
تأتي هذه العمليات في أجواء مشحونة بالتوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية إيران الإسلامية على خلفيات مختلفة كلها تصب في النزعة التوسعية العدوانية الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني، ومن هنا فإنه لا يمكن الفصل بين هذه الهجمات وبين الحصار المفروض على إيران وتخفيض قدرتها على تصدير النفط إلى أدنى مستوياتها بسسب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
كما لا يمكن عزل ما يجري في خليج عمان عن مجمل الأزمة بين إيران وجيرانها العرب، وعلى الأخص ما تشهده اليمن من حرب ومواجهة بين السلطة الشرعية مدعومة من دول التحالف العربي وحلفاء الانقلاب الحوثي المدعومين من إيران ووكلائها في المنطقة العربية.
ومع إنني لست متخصصا في علم الجنايات فإنني أعلم أن المحققين في القضايا الجنائية يقولون إذا أردت أن تعرف ما وراء الحوادث الغامضة فابحث عن المستفيد، وهو ما يجعل أبسط المبتدئين في علوم السياسة والبحث الجنائي يتساءلون: من المستفيد من تفجير السفن في خليج عمان الذي يأتي بعد تهديدات إيرانية متكررة بإغلاق مضيق هرمز في وجه التجارة الدولية.
لست من الميالين إلى رمي الاتهامات جزافا على هذا الطرف أو ذاك، لكنني أشير هنا إلى كثير من الفرضيات التي يطرحها بعض المحللين والباحثين السياسيين، ففرضية أن أمريكا هي من دبرت تفجير السفن في ميناء الفجيرة وفي خليج عمان، لتصنع مبررات لإعلان الحرب على إيران، هذه الفرضية مردودٌ عليها لأن أمريكا تعلن أنها ليست في وارد الحرب مع إيران، وأنا أصدق هذا القول ليس لأن الأمريكان ملائكة، لكن لأن سياسة ترامب تقوم على الحرب الاقتصادية وتتهرب من أي تورطات عسكرية، ولو أن أمريكا تريد الحرب على إيران فلديها ألف مبرر ولا تحتاج إلى هذه المبررات السخيفة.
أما القول بأن السعودية والإمارات هما من تقومان بهذه العمليات لاستدراج الولايات المتحدة للدفاع عنهما فهو قول أكثر حماقة من القول الأول، لأنه ببساطة لا يمكن لدولة مثل الإمارات العربية المتحدة أن تلحق الضرر بسمعة موانئها واقتصادياتها وتعرض اقتصادها لخسائر بالمليارات فقط للرهان على فرضية ليست متيقنة من جصولها، ويبقى احتمالان لا ثالث لهما، الأول هو أن تكون إسرائيل هي من يقف وراء هذه الحوادث (وهذا ما يقول به المحللون والسياسيون الإيرانيون) لكن هذا الاحتمال أضعف من الاحتمال الثاني الذي يوجه أصابع الاتهام إلى إيران والمخابرات الإيرانية ومليشيات الحرس الثوري صاحب اليد الطولى في صناعة ألأزمات وتصدير العمليات التخريبية والإرهابية في دول المنطقة.
فرضية أن تكون إيران أو أحد وكلائها من يقف وراء العمليات التفجيرية هذه تعززها عدة أسباب، أولها أن إيران التي تخسر يوميا المليارات جراء الحصار الاقتصادي عليها تريد أن تنتقم من منافسيها الاقتصاديين في المنطقة وهي دول الخليج العربية (التي يصنفها الساسة الإيرانيون على أنها دول عميلة لأمريكا) ، وتخريب الأجواء في خليج عمان وبحر العرب من شأنه أن يسيء إلى سمعة الخدمات الملاحية والأوضاع الأمنية في هذه المنطقة وبالتالي إلحاق الأضرار الاقتصادية غير النفطية بدول المنطقة، لكن الاعتبار الأهم هو أن إيران لا بد أن تشعر بالغيرة وهي ترى خصومها من الدول النفطية العربية يحصدون المليارات بصورة يومية جراء تغطيتهم الفراغ الذي تركه غياب النفط الإيراني من الأسواق العالمية وتقف هي (أي إيران) متفرجة على هذه الوضع المؤلم بالنسبة لها.
من هذا المنطلق يمكن تفهم المبررات التي يطرحها مؤيدو فرضية أن تكون إيران هي المتهم الأول في عمليات تفجير السفن في خليج عمان ، ولماذا نذهب بعيداً ونحن نعلم أن الحوثيين (وهم وكلاء إيران في اليمن) قد قاموا بتفجير عدة سفن في مضيق باب المندب إحداها تابعة للأمم المتحدة كانت تحمل مواد إغاثية غذائية ودوائية لليمنيين.
حرب تفجير السفن ليست سوى جزء من الصراع القائم في المنطقة بين المشروع ألإيراني والأمة العربية التي لا تمتلك مشروعا نهضويا موحداً بكل أسف، أما أدوات التنفيذ فقد تختلف من منطقة إلى أخرى، فحين يصعب الرهان على حزب الله يمكن تكليف وكيل آخر من وكلاء أيران هنا أو هناك وما أكثرهم.