الحرب والعدم

قول أحد المفكرين إن أزمتنا في الوطن العربي عموماً لا تكمن في عدد الأطباء والمهندسين والمتخصصين في مختلف المجالات، وإنما تكمن في غياب المفكرين الذين يقودون هذه الأزمة إلى الطريق الصحيح، لما للفكر من أهمية قصوى في حياة الشعوب، فهو الذي يرسم ملامح طريق المستقبل.

فهل نعاني فعلاً من غياب الفكر البشري القادر على رسم آفاق الحلول والمستقبل؟.. فكثير من النزاعات والحروب والمحن التي نعاني من تبعياتها هي نتاج أفكار واعتقادات خاطئة لا شك، حتى أن مفهوم التعايش في بلداننا يعني أن يخضع الضعيف للقوي.. وما الحروب التي تسفك فيها الدماء إلا تجسيد لفكرة السيطرة والهيمنة، بغض النظر عن ما تلازمها من ممارسات لا إنسانية أبلغ ما فيها هو الزج بأبناء هذه المجتمعات في حروب عبثية لا طائل منها، وهي حالة من أعلى درجات الاستعباد البشري، وإلا لما حمل مثل هؤلاء الشباب الذين يزج بهم في المحرقة مفاتيح الجنة، لو أنهم يملكون القدرة على التمييز بين الحق والباطل أو القدرة على الرفض.

هذه الحالة المأساوية من أبجدياتها القتال من أجل القتل لا أكثر، في حين أن السياسيين غالباً يستخدمون سلوكهم الانتهازي المعروف في استثمار هذا الواقع كلا على طريقته، لهذا تمضي حروبنا باتجاهات اللانهاية، لأن هناك حالة استخفاف قصوى بحق شعوبنا المغلوبة على أمرها.

وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن إطالة أمد الحروب تكون مدعاة لتحقيق مآرب كثيرة عند من يمارسون كامل استهانتم بشباب هذه الأمة، فالحروب تفتح آفاقا واسعة المدى للصوص والقتلة والناهبين وسماسرة السياسة للعب على أطراف المتناقضات، حتى تحقق لهم مصالح كثيرة وكبيرة في ظل واقع كهذا الذي نعيش تبعياته على مختلف الصعد الحياتية.

والثابت أن الأزمة اليمنية مركبة ومعقدة للغاية، لأن الأطراف التي تذكي استمرار جذوة القتال والحروب كثيرة، وليس في أولويات أي منها وضع حد لذلك، فالأزمات الاقتصادية وتردي الأحوال المعيشية للسكان، وانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعات هي البيئة الخصبة التي تجني من ورائها تلك الجماعات أرباحها.

فعلى مدى سنوات الحرب في اليمن عموماً تكشفت معطيات عدة عن الفكر الجهنمي الذي لا يكترث بحجم ما خلقت من مآسٍ مروعة، فالحرب يصاحبها هدم لكل شيء جميل، للقيم والأخلاق والدين، أما القوانين فلا شك أن لا أحد يعمل بها في ظل هذه الأوضاع السيئة.. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن تتحقق لكل فصيل وطرف مآربه التي تعني للطرف الآخر الخضوع والخنوع والعيش تحت وطأة السطوة والقوة.

والمؤلم أنه بعد أن تضع الحرب أوزارها تتكشف تبعيات مريرة على صعيد مجتمعاتنا التي تعيش خارج نطاق العصر، ثم تكون العودة إلى نفس المربعات الأولى، لأن ضلالة الفكر هي من تقودنا إلى كل هذه المتاهات اللاعقلانية..!​