يوزّع..!

* أينما يممت وجهك هذه الأيام، في الشوارع أو الأزقة، في المقاهي أو الملاعب، ستلتقط أذناك مفردة (يوزّع)، وهي مفردة يلوكها لسان الصغير والكبير معا..

* بادئ ذي بدء ظننت أن مفردة (يوزع)، هي نتاج إعجاب وتقدير لفارسها الأول المعلق التونسي الساجع الساطع (رؤوف خليف)، غير أنني عرفت من أحد الصبية أن مفردة (يوزع) استعارها الممثل الكوميدي خفيف الظل (ناصر العنبري)، ووظفها في قالب كوميدي خدمة لعمله الفني التلفزيوني الرمضاني..

* غريبة وعجيبة، هذه المفردة نسمعها يوميا في الوصف التحليلي للمعلق (رؤوف خليف)، ومع ذلك لم تثر ضجيجا داخل كل بيت إلا عن طريق كوميديان بدوي، يخلط بين الجد والهزل بطريقة فيها الكثير من التبكيت والتنكيت وخفة الظل..

* أما وقد كان الفضل دوما للمتقدم، فقد صارت مفردة (يوزع) سلوكا ثقافيا على كل لسان، تسمعها كل دقيقة وفي مختلف الأماكن، فتدرك أن ثمة خطأ في تركيبة هذا المجتمع الذي اعتاد التوزيع في مختلف مناحي الحياة..

* خذوا مثلا: هناك جمعيات مشبوهة (توزع) المساعدات عن طريق مندوبين، ربع هذه المساعدات تذهب إلى محتاجين، وثلاثة أرباعها تباع للمواطن المطحون في السوق السوداء، ترى كم مندوبا (يوزع) تلك المساعدات على تجار الطمع والجشع؟

* أزيدكم من شعر (يوزع) بيتا بلا سقف، فهذه صيدليات تتوالد خارج غرف وزارة الصحة، وكل من ضاقت به السبل في الشارع تحول إلى (صيدلي) أبي العريف، يوزع الموت على المواطن ويفتي طبيا فيما لا علم له به..

* نحن شعب نرزح تحت تأثير ثقافة (يوزع)، فهذه إدارات مكاتب وزارة التربية والتعليم تعتنق بدعة (البديل)، فتوزع على المدارس بدلاء أميين غير مؤهلين، فتكون شريكا أساسيا في (توزيع) الجهل والأمية والتخلف إلى كل بيت، أليست ثقافة (يوزع) هي بيت القصيد ومحور التعاطي مع العصيد..؟

* يبدو تجار الموت هم الأكثر ممارسة لثقافة (يوزع)، فهم وعلى حين غفلة من الرقابة، يوزعون السموم على أطفالنا وشبابنا عيني عينك، ولا أحد يتجرأ على التصدي لهم أو وقفهم عند حدهم، وما أكثر الأسواق السوداء التي (يوزع) فيها التجار بضاعتهم السامة  الخبيثة، وسط سكوت مجتمع يخلف ويرمي أولاده في الشارع..

* ستجد مفردة (يوزع) أمامك وخلفك في عدن، فقراصنة الأراضي وسماسرة المساحات بسطوا على المتنفسات ووزعوها في المزاد على ما يشتهي الوزان، أما مسؤولو حمران العيون يا عيني عليها فقد اكتفوا من الغنيمة بتوزيع ما تيسر من الأراضي على الأهل والخلان، وهو سلوك غرضه الانتصار لمبدأ حاميها حراميها..

* هناك فرق كبير بين مسؤول يوزع فيروسات التشليح على مؤسسته، وآخر يفهم أن المسؤولية هبر الفلوس باعتبار الرزق يحب الخفية، وهو وضع شاذ يبرر سخاء الإنفاق من المال السائب، ويضع الفواصل بين تاجر يلعب بالملايين ومواطن لا يزيد ثمنه عن بضعة ملاليم.. 

* ألم يأن الوقت ليوزع فيه السياسيون السلام الدائم، في ظل وضع جديد يعيش فيه كل طرف على الجنب الذي يريحه..؟​