سلام عليك ياعدن

* قال الشاعر (أبو تمام):

إذا نظرت إلى البلاد رأيتها .. تشقى كما تشقى العباد وتسعد

* كأني بهذا الوصف ينطبق تماما على (عدن)، مدينة السلام التي تصبو ولا تشيب، تشقى ولا تشكو من وهن أو تعب، فهي رغم الشقاء تبتسم وتدفع فاتورة آلامها بالتقسيط المريح عن طيب خاطر..

* كُتب على (عدن) أن تئن تحت وطأة المتغيرات السياسية جميلها وقبيحها، وكتب عليها أن تستقبل سهام ورماح عقوقنا بقلب أم يسأل لنا الهداية، رغم كل هذا العفن السياسي الذي يحاصر بحرها وبرها ومياهها الجوفية. 

* كل الذين ألبسوها ثياب الحداد، وأرهقوا كاهلها بالحروب والكروب غادروا إلى مزبلة التاريخ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أما (عدن) فستدب فيها الحياة، وستنهض من ركام الرماد كعنقاء تكسر أسطوانة المستحيلات الثلاث..

* في كل المراحل والحقب السياسية تأرجحت (عدن) ما بين عسر ويسر، لكنها كانت دائما تخرج من دوامة الصراعات السياسية مثل الشعرة من العجينة، منتصرة غانمة..

* ومن لنا غير (عدن) تحتوينا من كآبة أتراحنا ونرجسية أطماعنا؟ ومن لنا غيرها تستقبل غمامات أحزاننا وتغربل بؤسنا وتبدد غيوم سأمنا وسحابات قهرنا؟ (عدن) يا سادة (مننا) و(سلوانا)، مائدة رحمة منزلة من السماء، فكيف نجوع و(عدن) تطعمنا من بحرها صبرا جميلا في الليالي الحالكات؟ كيف نظمأ و(عدن) تسقينا من دموع نهرها الرقراق في سنوات الجدب والجفاف؟ كيف نهرم و(عدن) تمدنا بأكسير البقاء؟ كيف نتشرد و(عدن) تفرش رمال ساحلها لكل عابر سبيل؟ كيف ننكسر و(عدن) في داخلنا بركان ثائر في وجه كل طاغي وباغي؟ كيف لا ننام وصدر (عدن) أحن صدر بين مدن العالم؟ كيف يخبو أمل الغد، وشمس (عدن) تبث فينا دفئا شاعريا لو وزع على العالم لفاض منسوبه؟ 

* لا تجزعي يا (عدن) فمايسترو (الأوركسترا) يستعد ليعزف اللحن الأخير، لحن انتصار (عدن) على أعداء الحياة، حفلة القراصنة يا (عدن) على وشك الانتهاء، سيذهبون إلى (زوال)، وستبقين كما عرفناك سيدة البحار، لؤلؤة البندر، عقد العالم الفريد، حضنا يحتوي كل الديانات، غدا ستقرع أجراس عرسك، ستلبسين أحلى فساتين قوس قزحك، وستتزينين بكل ياقوت وزمرد عروس البحور، سيندحر ليل (إرياط) إلى الأبد، ولن يبقى على ترابك وصيا..

* لا عليك يا (عدن) مهما يكبر حزنك حتى يصبح أشجارا، سينجلي ليلك الموحش، سيتنفس فجرك وينكسر قيدك مع نشيد الصباح، عندها ستهدأ كل الجراح وتسكن كل الشجون، سيموت النواح وزمان الجنون، ستزول السحابة الدامية المتربصة بشمس الأصيل، وستعودين أمنية على كل لسان، كما قال الشاعر الفرنسي (رامبو) الذي مات تحت تأثير حمى هواك الصفراء..

* هذه (عدن) لحن الحياة، تجوب لأجلنا بحارا وبحارا، لتعود لنا بذلك الربيع المخبأ في أعطافها، ستفيض دموع  أفراحها أنهارا لتغسل ليلنا العاري، ستبقى عدن رغم آلام التبرز أعز وأغلى وطن، فسلام عليك يا عدن المحبة والسلام..!​