الانتقالي بين فكي اتفاق مزعوم وشر مدعوم

بتجاوب المجلس الانتقالي الجنوبي السريع وتلبيته المبكرة لدعوة التحالف العربي، ممثلا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، للتهدئة والتحرك إلى الرياض والدخول في حوار مع الحكومة اليمنية بغية حلحلة مشكلة التوتر الأمني الحاصل في عدد من المحافظات الجنوبية الذي أعقب اشتباكات عسكرية في تلك المحافظات قطعت قيادة المجلس كافة الطرق على القوى المعادية للجنوب وفوتت فرصتها في شن حرب رابعة تجهز على ما أبقته من حروبها الثلاث السابقة في الجنوب والنيل من منجزاته الكبيرة التي تحققت له عقب حرب التصدي لقوى الشمال العسكرية والميليشياوية والقبلية وتحرير عدن وأخواتها من قبضة تلك الميليشيات الهمجية.
فتلبية دعوة التحالف العربي والدخول في حوار غير مباشر مع الحكومة اليمنية وبرعاية سعودية كريمة تمكن الانتقالي من انتزاع زمام المبادرة وتحقيق سبق سياسي كبير يحسب لقيادته التي تعاملت مع دعوة الاشقاء بإيجابية وتعاطت معها بمنطق العقل والحكمة السياسية لا بالعاطفة وردة الفعل غير المحسوبة.
وفي جدة ثاني أكبر مدن المملكة الشقيقة خاض فريق المجلس الانتقالي ماراثونا حواريا طويلا وشاقا، تسبب الطرف الآخر في ذلك الحوار، وهو الحكومة اليمنية، في إطالة عمره باختلاق الأعذار واصطناع الإشكاليات وطرح الشروط التعجيزية الهادفة طبعا لعدم إيصاله، أي الحوار، إلى محطته الأخيرة، الذي سعى رعاة الحوار بكل ما لديهم من قوة وثقل وقرار إلى إنجاحه على طريق تنفيذ مضامينه على الأرض.
ففي جدة تحلى وفد الانتقالي بالحكمة وتسلح بالصبر وتعامل بسياسة النفس الطويل أمام مماطلة مفاوضي الحكومة ومراوغاتهم وتهربهم مرارا وتكرارا من مواجهة الحقيقة التي اعتبروها مرة، وهي التفاوض مع طرف وصفوه بالمتمرد والانقلابي والتبعي وغيرها من الأوصاف، وهو الشيء الذي يفضي بالطبع إلى اعتبار تحاورهم مع وفد الانتقالي يمثل اعترافا ضمنيا من الشرعية اليمنية به كممثل للشعب الجنوبي وطرف ندي لها في مفاوضات جدة وأي استحقاقات سياسية قادمة.
ففي الوقت الذي كان فيه الفريق التفاوضي الجنوبي يتعاطى بإيجابية منقطعة النظير مع الجهد السعودي كانت فيه الشرعية تماطل بألف طريقة وطريقة في جدة وتسوق جحافل جيشها الميليشاوي إلى الجنوب وتحشد عسكريا في شبوة وأبين.
إذ كان جناح الصقور فيها يراهن على فشل السعودية في إيصال حوار جدة إلى مرفأ الاتفاق الثنائي، وبالتالي عمل المتطرفون الشرعيون المتلهفون لشن حربهم المقدسة في فتح عدن على رفع جاهزية ميليشياتهم إلى درجة الاستعداد القتالي العالي، تأهبا لاجتياح أبين كاملة، ومنها إلى عدن مقصدهم ومرادهم الأول والوحيد، وبالفعل دشنوا مشروع إفشال مشروع الحوار المتوج باتفاق الرياض الذي كان من المفترض توقيعه الخميس (أمس الأول) بغزوهم لمدينة أحور الساحلية بمحافظة أبين.
وعلى الرغم من نجاح الدبلوماسية السعودية في الوصول إلى صيغة رأت أنها توافقية للطرفين فيما نشعر نحن الجنوبيين أنها ظلمتنا وانحازت إلى طرف الحكومة اليمنية ولم يتبق سوى التوقيع النهائي عليها مايزال صقور الشرعية يواصلون تحضيراتهم واستعداداتهم العسكرية العالية المتزامن مع حملة رفض علنية للمفاوضات جدة المنبثق عنها اتفاق الرياض.
فمن إسطنبول والدوحة وحتى من الرياض نفسها ومأرب وعتق تتوالى تصريحات قيادات ونشطاء الشرعية ومناصريها الرافضة للاتفاق مهددة ومتوعدة الرئيس هادي بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتتوالى دعوات وقرعات طبول الحرب الرابعة على الجنوب.
ومع دوي صدى تلك الدعوات الشريرة التي تخترق السماء وتسافر في الأرجاء بقي المجلس الانتقالي الجنوبي صامتا يرقب ردود فعل رجالات الشرعية بصمت دون الإقدام على أي خطوة مشابهة أو ردة فعل غاضبة، واضعا الكرة في ملعب الشقيقة الكبرى راعية الحوار الذي نأمل أن تكون في مستوى مسؤوليتها عن حماية دعوتها ورعايتها للحوار وثقة الجنوبيين فيها.