همس اليراع

ثنائية الشمال والجنوب2

أعود مرة أخرى للتوقف عندما كنت قد تناولته في وقفة سابقة عن ثنائية الشمال والجنوب وأشير إلى الحقائق التالية:
* إن اليمن كمعنى جغرافي يوجد في العديد من الأدبيات التاريخية منذ عصر اليونان، لكنه لم يكن يطلق على اسم أي من الدول التي شهدتها اليمن، فكل كتب التاريخ تتحدث عن دولة معين ودولة سبا ودولة حمير ومثلها قتبان وكندة وأوسان، وكان بعض المؤرخين يضيفون إلى بعض الدول صفة اليمنية، للإشارة إلى إن هذه الدول توجد في المنطقة المسماة اليمن والتي تشمل كل ما يقع جنوب الكعبة، مقارنةً مع الشام التي تعني كل المناطق الواقعة شمال الكعبة، وهذه المسميات لا علاقة لها بظهور الإسلام وقيام الدولة الإسلامية فالكعبة موجودة منذ ما قبل نبي االله إبراهيم وشمال الكعبة وجنوبها تبعا لذلك موجودان ولا يحتاج ألأمر إلى المزيد من البراهين والحجج.
* إن اليمن بالمعنيين التاريخي والجغرافي لا تعني الجمهورية اليمنية ولا الجمهورية العربية اليمنية، التي اتخذت عدة أسماء قبل ثورة سبتمبر منها المملكة المتوكلية الهاشمية ثم المملكة المتوكلية اليمنية، ناهيك عن الدويلات اليعفرية والزيادية والنجاحية والقاسمية والصليحية وسواها.
* إن كون الجنوب (الذي دخل المحاولة الوحدوية الفاشلة باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقبلها إمارات أو محميات ومشيخات وسلطنات الجنوب العربي) إن كون هذا الجنوب قد اتخذ اسم جنوب اليمن ذات يوم أو سيحتفظ به اليوم أو في الغد، كل هذا لا يقتضي بالضرورة أن الجنوب تابع للدولة اليمنية في صنعاء ولا هو فرعٌ لها ولا جزءٌ منها سواءٌ ما قبل ثورة سبتمبر أو ما بعدها، وإذا كان حلم الوحدة اليمنية قد جاء في سياق مجموعة الأحلام القومية والعروبية والإسلامية الجميلة فإن هذا الحلم قد برهنت الوقائع أنه كان مفارقا للواقع متعاليا على تعقيداته وملابساته وقانونياته الصارمة، وكان ينبغي أن يظل حلما كإسمه، وقد تبين فيما بعد كم كلف الشعبين في الشمال والجنوب من مظالم وجرائم وآلام ودماء وأرواح لا يمكن التعويض عنها مهما فعل الفاعلون.
* ونعلم جميعا أن ثنائية الشمال والجنوب لم تكن موجودة أصلا إلا في أدبيات بعض التنظيمات القومية واليسارية، في حين ظل اسم اليمن يطلق على الجمهورية العربية اليمنية وقبلها المملكة المتوكلية (الهاشمية فاليمنية)، بينما ظل الجنوب يعرف بسلطناته ومشيخاته وإماراته المتفرقة ولم يعرف كجنوب لليمن إلا بعد ثورة سبتمبر وبالأخص بعد اندلاع ثورة أوكتوبر والدعم المصري لها بقيادة الزعيم القومي ذي النزعة الوحدوية العروبية الراحل جمال عبد اللناصر عليه رحمة الله، والذي شجع التنظيمات السياسية على اتخاذ تسميات تنظيمات تحرير جنوب اليمن (مثل منظمة ثم جبهة تحرير جنوب اليمن، والجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن) المحتل
لقد أردت التوقف عند هذه الحقائق لإبداء رأيي في ما يخص النزاعات والمماحكات والمواجهات التي يثيرها بعض المهووسين بفكرة "الواحدية" التي روجها إعلام نظام 7/7 وكذا بعض الحساسيات التي يثيرها هذه الحقائق لدى الشباب الجنوبيين المتحمسين الذين يعتبرون مفردة اليمن نفسها عدوا لدودا لهم.
وسأتوقف قريبا عند الاختلالات التي تكتسح الخطاب الإعلامي ليس فقط للناشطين في شبكة التواصل الاجتماعي بل والخطاب السياسي للرسميين ومنهم قادة حزبيين ووزراء ونشطاء ميدانيين معروفون.
فإلى اللقاء